فيما ينشغل السواد الأعظم من الناس بالأوضاع اليومية بكلّ ما فيها من مكابدات ومساعٍ معيشية حثيثة يغيب الاهتمام بالبيئة، إذ ماذا يجدي الفقير الحديث عن الخطاب البيئي، وتحذيرات التغير المناخي بينما كلّ ما يهمه فأس وبعض الأشجار؟
كنا ضمن فريق بحثي نجوب إحدى المناطق التي كانت حتى وقت قريب غنية بالموارد، لكنّها تحت وطأة الهجرات البيئية الكثيفة كادت تلحق بتلك التي طردت ساكنيها بمواشيهم. ولما وجدنا أنّ نسبة الوعي البيئي هي ما دون المتوقع، قررنا إضافة بعض أنشطة التوعية (المرتجلة) لمهمتنا، إذ هالنا أن نجد هؤلاء لا يعرفون حتى مصطلحي "بيئة" و"مناخ"، مثلما وجدنا أنّ أحاديثنا لا تخلو من هذين المصطلحين، فمن أين جاءا ليحتلا خطابنا، وغابا عن إدراك هؤلاء؟
يقال إنّ القائمين على التوليد المعجمي، ومن بينهم صحافيون وسياسيون، قد نشطوا في ابتكار سلسلة من المفاهيم والمفردات بهدف المواكبة، خصوصاً أنّ البيئة باتت رهاناً محورياً في الفكر المعاصر كما يورد الكاتب نجم الدين خلف الله، ويضيف أنّ مصطلح بيئة "مصدر مشتق من فعلٍ فصيح، موغل في القدم: باءَ، يَبوء، بمعنى: عاد إلى مَحلٍّ يكسوه جمال الطبيعة، ومنه صيغت عبارات مثل: باءَ بغضبٍ، أي: رجع مغضوباً عليه، وتَبَوَّأ مكانة عُليا، أي تمكن فيها".
بعد جهد جهيد تمكّنا من تقريب الفهم، وربطناه بالطبيعة، وأوكلنا لمن التقينا بهم نقل المعرفة للآخرين، مع التأكيد على تداول المصطلح، خصوصاً بعدما علمنا مدى ارتباط هؤلاء بالراديو، واتفاقنا على فكرة توظيف هذه الوسيلة في إيصال رسالتنا البيئية.
سألناهم عن ملاحظاتهم للتغير المناخي، فاتفقوا معنا على التأثير، بينما وقف مجدداً مصطلح "مناخ" في حلق الفهم، وبالرغم من أنّه قد ترسخ، بحسب نجم الدين "بكثرة في السياقات السياسية، لا سيما عند التحذير من التغييرات الكبرى، وهو اسم مكان من فعل قديم: أناخ/ ينيخ الناقة، أي أبركها في الموضع الذي تناخُ فيه الإبل. ثم استقرت المفردة بعدها للإحالة على الجو وطبقاته، وأقاليم الكرة الأرضية وهوائها". ونتساءل معه: "هل يمكن أن تكون قضية البيئة شاغلاً أساسياً في بلادنا العربية كما في الغرب، في ظل تدمير الإنسان لنفسه وللطبيعة، وما تشهده المنطقة العربية من حروب، في ظلّ أنظمة غاشمة، تساهم هي الأخرى في تدمير الإنسان والطبيعة معاً، وقد يشاركها الغرب في صمتٍ ومواربة؟
اقــرأ أيضاً
وهل علينا أن نصمت عن الفعل في حال تأبّت المفاهيم، وصعُبت المصطلحات على الإدراك؟ أم نعمل من دون اللجوء إليها في حين ينشغل بها الخطاب اليومي... هي معادلة يسهّل حلها العمل المباشر مع الناس... فهلّا فعلنا؟
*متخصص في شؤون البيئة
كنا ضمن فريق بحثي نجوب إحدى المناطق التي كانت حتى وقت قريب غنية بالموارد، لكنّها تحت وطأة الهجرات البيئية الكثيفة كادت تلحق بتلك التي طردت ساكنيها بمواشيهم. ولما وجدنا أنّ نسبة الوعي البيئي هي ما دون المتوقع، قررنا إضافة بعض أنشطة التوعية (المرتجلة) لمهمتنا، إذ هالنا أن نجد هؤلاء لا يعرفون حتى مصطلحي "بيئة" و"مناخ"، مثلما وجدنا أنّ أحاديثنا لا تخلو من هذين المصطلحين، فمن أين جاءا ليحتلا خطابنا، وغابا عن إدراك هؤلاء؟
يقال إنّ القائمين على التوليد المعجمي، ومن بينهم صحافيون وسياسيون، قد نشطوا في ابتكار سلسلة من المفاهيم والمفردات بهدف المواكبة، خصوصاً أنّ البيئة باتت رهاناً محورياً في الفكر المعاصر كما يورد الكاتب نجم الدين خلف الله، ويضيف أنّ مصطلح بيئة "مصدر مشتق من فعلٍ فصيح، موغل في القدم: باءَ، يَبوء، بمعنى: عاد إلى مَحلٍّ يكسوه جمال الطبيعة، ومنه صيغت عبارات مثل: باءَ بغضبٍ، أي: رجع مغضوباً عليه، وتَبَوَّأ مكانة عُليا، أي تمكن فيها".
بعد جهد جهيد تمكّنا من تقريب الفهم، وربطناه بالطبيعة، وأوكلنا لمن التقينا بهم نقل المعرفة للآخرين، مع التأكيد على تداول المصطلح، خصوصاً بعدما علمنا مدى ارتباط هؤلاء بالراديو، واتفاقنا على فكرة توظيف هذه الوسيلة في إيصال رسالتنا البيئية.
سألناهم عن ملاحظاتهم للتغير المناخي، فاتفقوا معنا على التأثير، بينما وقف مجدداً مصطلح "مناخ" في حلق الفهم، وبالرغم من أنّه قد ترسخ، بحسب نجم الدين "بكثرة في السياقات السياسية، لا سيما عند التحذير من التغييرات الكبرى، وهو اسم مكان من فعل قديم: أناخ/ ينيخ الناقة، أي أبركها في الموضع الذي تناخُ فيه الإبل. ثم استقرت المفردة بعدها للإحالة على الجو وطبقاته، وأقاليم الكرة الأرضية وهوائها". ونتساءل معه: "هل يمكن أن تكون قضية البيئة شاغلاً أساسياً في بلادنا العربية كما في الغرب، في ظل تدمير الإنسان لنفسه وللطبيعة، وما تشهده المنطقة العربية من حروب، في ظلّ أنظمة غاشمة، تساهم هي الأخرى في تدمير الإنسان والطبيعة معاً، وقد يشاركها الغرب في صمتٍ ومواربة؟
وهل علينا أن نصمت عن الفعل في حال تأبّت المفاهيم، وصعُبت المصطلحات على الإدراك؟ أم نعمل من دون اللجوء إليها في حين ينشغل بها الخطاب اليومي... هي معادلة يسهّل حلها العمل المباشر مع الناس... فهلّا فعلنا؟
*متخصص في شؤون البيئة