ما أن بدأت أولى قوافل المساعدات الإنسانية المحمّلة بالمواد الغذائية والطبية، تدخل أمس الاثنين، إلى مضايا في ريف دمشق، بعد ستة أشهر من الحصار التجويعي الذي أودى بحياة 42 شخصاً، حتى ظهرت مؤشرات فضيحة أخلاقية شبيهة بما حصل منذ أشهر، عندما تبيّن أن مساعدات أممية دخلت في حينها إلى البلدة، كانت فاسدة؛ فقد تبيّن مساء أمس الاثنين، أن 44 شاحنة دخلت إلى مضايا، في إطار الاتفاق المبرم بين النظام والمعارضة السورية الذي يقضي أيضاً بإدخال مساعدات إلى بلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب. أكثر من ذلك، أفاد رئيس المجلس المحلي في بلدة مضايا ياسر المالح، في تصريح لفضائية "الجزيرة"، بأن "ما يجري مسرحية هزلية، لكون المساعدات لا تضم مادة الطحين، وكميتها قليلة". وتردد أن مكونات السلة الغذائية الواحدة تضمنت كيلوغراماً من الحمص، و5 كيلوغرامات من السكر، وكيلوغرامين من الفاصوليا، و4 كيلوغرامات من البرغل و6 علب فول (وزن 300 غرام للعلبة الواحدة) وكيلوغراماً من الملح وعلبتي ربّ البندورة (وزن 400 غرام للعلبة) و5 كيلوغرامات من الزيت، و10 كيلوغرامات من الأرزّ بالإضافة إلى حليب الأطفال. كل ذلك بعد ستة أشهر من الحصار الذي أودى بحياة 42 شخصاً في مضايا، بحسب مصادر معارضة من داخل المدينة تحدثت لـ"العربي الجديد". وتُشير المصادر إلى "وجود حالات عدة مهددة بأن تفقد حياتها في أي وقت، بسبب سوء التغذية وعدم توفر الرعاية الصحية المناسبة". وبالتزامن، دخلت المساعدات إلى بلدتي كفرية والفوعة في ريف إدلب،
وتُضيف المصادر بأن "المعلومات التي وصلت إلى الجهات المسؤولة داخل مضايا، تفيد بأنه سيتمّ السماح بدخول 60 سيارة محمّلة بالمساعدات الإنسانية، على مدار ثلاثة أيام، بمعدّل 20 سيارة يومياً، من دون أن توضح كميات ونوعية المحتويات". وتُبيّن أن "أهالي مضايا المحاصرين منذ نحو ستة أشهر، تجمهروا منذ الصباح الباكر بالقرب من مدخل المدينة بانتظار وصول المساعدات".
وكان "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سورية"، قد أعلن قبل ساعات، على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، عن أن "متطوعي الهلال الأحمر العربي السوري، بالتعاون مع الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، قاموا بتجهيز قوافل المواد الغذائية والطبية إلى مضايا وكفريا والفوعة".
من جانبها، تشرح المتحدثة باسم "برنامج الغذاء العالمي"، عبير عطيفة، في تصريحات صحافية، أن "قوافل المساعدات ستصل بشكل متزامن إلى مضايا وبلدات أخرى في سورية"، لافتة إلى أن "أكثر من 400 ألف مدني محاصر في سورية، وأن جميع أطراف الصراع تستخدم حصار المدنيين سلاحاً في الحرب".
ويقول النظام السوري إن "قافلة مساعدات إنسانية توجهت باتجاه بلدتي الفوعة وكفريا بريف إدلب بالتزامن مع إدخال قافلة مساعدات باتجاه بلدة مضايا في ريف دمشق، وذلك بإشراف الهلال الأحمر العربي السوري والصليب الأحمر الدولي والأمم المتحدة".
ويقول الناشط الإعلامي الملقب أبو شوكت، من منطقة الزبداني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الحزب نفّذ عبر وسائل الإعلام التابعة له ووسائل إعلام النظام، يوم الأحد مسرحية عند القوس الجنوبي في بلدة مضايا. وقامت قوات حزب الله بإجبار الناس على الحديث إلى قناة المنار، والتصريح بأن المساعدات دخلت إلى مضايا، وأن المسلحين صادروها لهم". ويضيف: "كما قاموا بإعطاء الأطفال الجوعى قطعاً من البسكويت، طالبين منهم الهتاف للمقاومة والجيش وحزب الله".
اقرأ أيضاً: مضايا تترقب الطعام والدواء اليوم... ونزيف الموت جوعاً مستمرّ
ويلفت إلى أنه "تم اليوم (أمس) تجميع الناس على حاجز مضايا الجنوبي، من قبل عناصر حزب الله، ليقوموا باستقبال القوافل الإغاثية ووفود المنظمات الدولية المرافقة لها". ويعرب عن اعتقاده بأن "الحزب يحاول إيهام الفريق الدولي بأن الحركة طبيعية، عبر تسجيل أسماء بعض الناس المتواجدين ممن يودون الخروج من البلدة، إذ سيخرجهم عند دخول الفريق الأممي ليظهر بأنه لا يحاصر المدينة وأنه لا يمنع الناس من الخروح منها ولا يمنع دخول المساعدات الغذائية".
ويبدي أبو شوكت خشيته إزاء "سلامة المواد الغذائية التي سيتم إدخالها إلى مضايا"، مذكّراً بأن "آخر شحنة من المساعدات الغذائية أُدخلت إلى مضايا، كانت تضمّ بسكويتاً منتهي الصلاحية، ما تسبب في العديد من حالات التسمم الغذائي".
في سياق آخر، تذكر مصادر معارضة مسؤولة في مضايا، لـ"العربي الجديد"، أنه "جرت عملية تبادل بين حركة أحرار الشام، إحدى الفصائل المسيطرة على مضايا والزبداني، وحزب الله، سلّم الحزب خلالها جثث سبعة قتلى وأسيراً، مقابل تسليمه أسيراً وجثتين". وتوضح المصادر أنه"بهذه العملية استعادت الفصائل كامل الجثث الخاصة بها، التي كانت لدى الحزب. ويندرج هذا ضمن تسهيل إتمام الاتفاق الخاص بفك الحصار عن الفوعة وكفريا الخاضعة لسيطرة الموالين للنظام ومضايا والزبداني وبقين الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة، الذي تمّ الشهر الماضي بين الإيرانيين وجيش الفتح".
وتكشف مصادر محلية من داخل مضايا، لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع في داخل البلدة وصل إلى مستوى بدأت فيه العائلات تحفر قبورها بأيديها، والغذاء الرئيسي للأغلبية الساحقة منهم، يعتمد على وجبة واحدة في اليوم، أساسها الحشائش وأوراق الشجر مع الماء والملح. وفي بعض الأيام تحصل العائلة على كوب صغير من الرز أو العدس، ليتم طهيه مع الكثير من الماء، بعدما بلغ سعر كيلوغرام الرزّ أو البرغل 546 دولارا".
وتُشير المصادر، إلى أن "العائلات تواجه خيارين لا ثالث لهما: إما الجوع حتى الموت، أو التهجير المأجور، الذي يتقاضى فيه عناصر النظام والمليشيات الحليفة له نحو 2500 دولار، في مقابل ترحيل الشخص واستخراج جواز سفر له إلى لبنان أو مناطق المعارضة في شمال سورية". وتوضح أن "العديد من العائلات والأشخاص خرجوا بهذه الطريقة".
اقرأ أيضاً: هولاند يريد إنقاذاً عاجلاً للمناطق السورية المحاصَرة