"المشفى في مضايا فارغ من أي أدوية"، بهذه الكلمات يحاول مدير المستشفى الميداني، عامر برهان، توصيف الوضع المأساوي في بلدة مضايا السورية (شمال غرب العاصمة دمشق). يأتي كلامه قبل ساعات من وصول قوافل مساعدات أممية تحمل الأغذية والأدوية إلى البلدة الجائعة.
منذ سبعة أشهر، تعاني البلدة من شحّ في المواد الغذائية والأساسيّة، في حين راح الإعلام العالمي يحكي عن مجاعة، نتيجة الحصار المطبق على أكثر من أربعين ألف مدني، جلّهم من مدينة الزبداني المجاورة.
ويشير برهان لـ"العربي الجديد" إلى أن المستشفى في حاجة إلى كل أنواع مستلزمات الإسعاف، وإلى أدوية الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى حليب الأطفال المفقود نهائياً في البلدة. ويوضح أن كمية الأدوية المتوقّع دخولها في قافلة المساعدات الأممية، لا تكفي إلا لعشرين يوماً، معبّراً عن قلقه من عودة الحالة الطبية إلى ما هي عليه بعد ذلك. ويقول إنه لا يعرف ما هي أنواع الأدوية التي تحملها القوافل، لافتا إلى أن المستشفى كان قد رفع قائمة باحتياجاته من الأدوية لمنظمات الأمم المتحدة التي وعدت بإدخال المطلوب، "لكنهم لم يفيدونا بأي تفاصيل بهذا الخصوص". لكنه يؤكد أن "تضامن السوريين مع مضايا والضغط الإعلامي أثمر نتائج مهمة".
وكان حصار بلدتَي مضايا وبقين لأكثر من سبعة أشهر قد أسفر عن وفاة مدنيين جوعاً وبرداً، أكثرهم من الأطفال والمسنين. وقد وثقت منظمة أطباء بلا حدود، حتى يوم الجمعة الماضي، وفاة 23 من الجوع في المركز الصحي التابع لها منذ الأول من كانون الأول/ديسمبر 2015، أي في غضون شهر واحد تقريباً. وأشارت إلى أن ستة منهم تقل أعمارهم عن عام واحد وخمسة منهم فوق الستين عاماً. ويوم الأحد الماضي، نتيجة الجوع الشديد، توفي مدني آخر من أهالي الزبداني المهجرين قسراً إلى مضايا، في حين توفي مساء الجمعة ثلاثة آخرون. وما زال المستشفى الميداني يستقبل حالات إغماء نتيجة الجوع.
إلى ذلك، أكدت منظمة أطباء بلا حدود أن مضايا في حاجة إلى إمداد مستمر من المساعدات، وليس فقط مجرد شحنة واحدة، مشيرة إلى أن في مستشفى واحد، يعاني 150 شخصاً على أقل تقدير من المرض الشديد. وعشرة منهم قد يفارقون الحياة إذا لم تتوفر الأدوية عاجلاً.
من جهته، يؤكد الناشط عين جابر، الموجود داخل البلدة، أن المحاصرين في حاجة إلى كل شيء، خصوصاً الطعام والأدوية ومواد التدفئة، مشيراً في اتصال مع "العربي الجديد" إلى أن "الحاجة أيضاً إلى حليب الأطفال ماسة. هؤلاء هم أكثر الفئات تضرراً من الحصار، وقد توفي عدد منهم جوعاً وبرداً". ويتحدّث جابر كذلك عن حاجة المحاصرين إلى بطانيات لدرء البرد الشديد، في ظل ندرة مواد التدفئة.
أما الناشط الملقب بأبي شوكت من منطقة الزبداني، فيعبّر لـ"العربي الجديد" عن قلقه حول "مدى سلامة المواد الغذائية التي سوف تدخل مضايا"، مذكراً بأن شحنة المساعدات الغذائية التي وصلت البلدة في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانت تحتوي على بسكويت منتهي الصلاحية، وهو ما تسبب في نحو 120 حالة تسمم غذائي، أكثرها من الأطفال. وقد اعترفت الأمم المتحدة في حينه، بأنها أرسلتها عن طريق الخطأ.
إلى ذلك، تفيد مصادر محلية من داخل مضايا لـ"العربي الجديد"، بأن "الوضع في البلدة وصل إلى حدّ بدأت فيه العائلات تحفر قبورها بأيديها. غذاء الأغلبية الساحقة الرئيسي يعتمد على وجبة واحدة في اليوم، يرتكز على الحشائش وأوراق الشجر مع الماء والملح. في بعض الأيام، قد تحصل العائلة على كوب صغير من الأرز أو العدس، فتطهيه مع كثير من الماء. يُذكر أن كيلوغرام الأرز أو البرغل الواحد وصل إلى 120 ألف ليرة سورية (سعر صرف الدولار الأميركي 394 ليرة)".
تضيف المصادر أن "المحاصرين يواجهون خيارين لا ثالث لهما، إما الجوع حتى الموت أو التهجير"، مشيرة إلى أن العناصر المحاصرة "تتقاضى نحو 2500 دولار في مقابل ترحيل الشخص الواحد واستخراج جواز سفر له إلى لبنان أو إلى مناطق المعارضة في شمال سورية. وكثر هم الذين خرجوا بهذه الطريقة". وكان الائتلاف الوطني السوري قد أكد، في بيان له أصدره في وقت سابق، أن ممارسات النظام في مضايا "هي إكمال لاستراتيجيته التي أمره بها النظام الإيراني، والهادفة إلى إفراغ محيط دمشق، وإحداث تغيير ديموغرافي فيها"، مضيفاً أن "تلك السياسة بدأها في الزبداني وحي الوعر وعدة مناطق أخرى".
وفور إذاعة مأساة بلدة مضايا، أطلقت منظمات ومؤسسات سورية وعربية تعمل في الحقل الإغاثي حملات تبرع لصالح المحاصرين، ومنها "فريق ملهم التطوعي" الذي أطلق حملة تحت شعار "على أمل أن نحافظ على أرواحهم، وإنسانيتنا". وقد استطاع، خلال أيام، جمع ثلاثمائة ألف دولار لهم. كذلك أعدّ تسجيل فيديو بُثّ على مواقع التواصل الاجتماعي، شارك فيه ممثلون سوريون مناصرون للثورة، لشرح مأساة آلاف المحاصرين في سورية. إلى ذلك، أطلق ناشطون آخرون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب الحكومة الألمانية بإنقاذ الجائعين في المناطق المحاصرة، عبر إلقاء المساعدات الغذائية من الطائرات العسكرية الألمانية.
اقرأ أيضاً: الموت يهدد نحو 40 ألف مدني في مضايا السورية