ألقى شيخ الأزهر أحمد الطيب، حجراً في مياه مصر الراكدة، حيال الموقف من قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة واشنطن إليها. الموقف المصري "الباهت" حيال استنكار قرار ترامب، وضع النظام الحالي برئاسة عبد الفتاح السيسي موضع اتهام، في ظلّ عدم اتخاذ موقف واضح من الخطوة.
ووضع الطيب، السيسي في موقف محرج، بعد إعلانه رفض لقاء نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، خلال زيارته المرتقبة إلى مصر بعد أيام. وكانت السفارة الأميركية في القاهرة تقدّمت بطلب رسمي قبل أسبوع، لترتيب لقاء لنائب الرئيس الأميركي مع الطيب، ووافق الأخير على ذلك، ولكنه، وبعد قرار ترامب، أعلن رفضه هذا اللقاء. وأكد الأزهر أنه "لا يمكن أن يجلس مع من يزيّفون التاريخ، ويسلبون حقوق الشعوب ويعتدون على مقدساتهم".
وقال الطيب: "كيف لي أن أجلس مع من منحوا ما لا يملكون لمن لا يستحقون، يجب على الرئيس الأميركي التراجع فوراً عن هذا القرار الباطل شرعاً وقانوناً".
وحذا بابا الأقباط في مصر، تواضروس الثاني، أمس السبت، حذو الطيب، معلناً رفضه لقاء بنس في القاهرة، نهاية الشهر الجاري، احتجاجاً على قرار واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وجاء في بيان للكنيسة القبطية المصرية أن موقف البابا جاء "نظراً للقرار الذي اتخذته الإدارة الأميركية بخصوص القدس ومن دون اعتبار لمشاعر الملايين من الشعوب العربية".
وقالت مصادر قريبة من شيخ الأزهر، لـ"العربي الجديد"، إن موقف الطيب "جاء بلا أي تنسيق مع أجهزة الدولة، إذ إنه قرار فردي، باعتبار أن الدعوة موجهة بشكل مباشر له، وليس من خلال رئاسة الجمهورية، ويمتلك الحرية التامة في الموافقة عليها أو رفضها"، مضيفةً أن الطيب "تصرّف من واقع مسؤولية وحساسية منصبه كشيخ للأزهر، وينتظر العالم الإسلامي كله اتخاذ موقف مماثل، على الأقل في إطار خطوات، بعيداً عن الإدارة الأميركية الحالية".
وتابعت المصادر أن الطيب "يدرك تماماً أن هذا القرار سيغضب السيسي، ولكنه انتظر من النظام المصري اتخاذ موقف قوي، وحينما لم يجد، قرّر النأي بنفسه عن أي تفاهمات سياسية، باعتبار أن قضية القدس مسألة عقيدة وقضية عادلة لا يجب غضّ الطرف عنها". وأشارت إلى أنّ الطيب "سيرفض أي ضغوط من النظام الحالي للتراجع عن قرار رفض لقاء بنس"، مشددةً على أن شيخ الأزهر "يتصرّف بناء على مواقفه الشخصية ولا يتحرّك من خلال توجهات أجهزة النظام المصري".
ولفتت المصادر إلى أن الطيّب "غير مكترث لرد فعل نظام السيسي، إذ إن مواقفه يتخذها نصرة للفلسطينيين وانتصاراً للحق، ومستعد للتعامل مع أي ردّ فعل مهما كان".
في المقابل، قالت مصادر مقرّبة من النظام، إن الطيب وضع السيسي في حرج، أكثر من مرة، باتخاذ مواقف وقرارات خلافاً لتوجهات الدولة. وأضافت لـ"العربي الجديد"، أن قرار الطيب الأخير "أثار ضجة كبيرة لدى أجهزة الدولة ومؤسسة الرئاسة، خصوصاً أنه جاء بلا تنسيق، ويضع السيسي في موقف محرج خلال زيارة بنس إلى مصر"، لا سيما أنها خطوة تعكس وجود رفض شعبي لوجود نائب الرئيس الأميركي في القاهرة.
وزعمت المصادر أنّ النظام الحالي "لم يتخذ موقفاً صارماً في مسألة قضية القدس، لكي تظل العلاقات جيّدة مع الإدارة الأميركية بعض الشيء، بما يسمح بإمكانية التدخل وممارسة ضغوط للتراجع عن القرار"، لافتةً إلى أنّ الطيب "دائم الإحراج للسيسي، ولذلك هناك رغبة شديدة في الإطاحة به من منصبه، لكي يخلفه شخص يسير وفقاً لتوجهات النظام الحالي".
وأوضحت المصادر أن زيارة الطيب إلى سيناء "كانت لها انعكاسات لناحية زيادة شعبية شيخ الأزهر، وهو على عكس رغبة السيسي، لأن زيادة شعبيته تصعب عملية الإطاحة به"، مشيرةً إلى أنّ تصرفات الطيب في سيناء من خلال التجوّل في قرية الروضة وعدم الاكتراث للتحذيرات الأمنية بخطورة السير بمفرده، "كان لها انعكاس قوي في الشارع المصري، وهكذا الحال في مسألة رفض لقاء بنس".
وحمّل شيخ الأزهر، في بيانه، الرئيس الأميركي وإدارته "المسؤولية الكاملة عن إشعال الكراهية في قلوب المسلمين وكل محبّي السلام في العالم، وإهدار كل القيم والمبادئ الديمقراطية ومبادئ العدل والسلام التي يحرص عليها الشعب الأميركي وكل الشعوب المحبة للسلام". كذلك حمّل الرئيس الأميركي "تبعات نشر الكراهية التي يعمل الأزهر الشريف ليل نهار على محاربتها، ويسعى إلى نشر التسامح والمحبة بين كل الناس، خصوصاً تجاه الشعب الأميركي".
ووجه الطيب نداءً عاجلاً لأهالي القدس قائلاً: "لتكن انتفاضتكم الثالثة بقدر إيمانكم بقضيتكم ومحبتكم لوطنكم، ونحن معكم ولن نخذلكم".