حملت نتائج استفتاء التعديلات الدستورية في مصر، رسائل واضحة غير قابلة للحجب، تحديداً من قِبل الذين شاركوا واختاروا إعلان معارضتهم للنتائج، أو الذين نأوا بأنفسهم عن التوجّه إلى صناديق الاقتراع. وجاءت النتائج لتزيد من مأزق نظام عبد الفتاح السيسي، الذي فشل في تجميل عملية الاستفتاء وإخفاء خروقاتها ومخالفاتها الواضحة للقانون، ولا سيما بعد انتشار مقاطع فيديو وصور على صفحات المواطنين العاديين، قبل وسائل الإعلام، سجّلت على الهواء مباشرة ومن عين المكان توزيع "الكراتين الغذائية" والرشى الانتخابية على المواطنين البسطاء، وشهادات تجميع المواطنين جبراً وسوقهم إلى لجان الاقتراع للتصويت مراراً وتكراراً.
وبدلاً من أن تعلن الهيئة الوطنية للانتخابات نتيجة معبّرة عن الواقع أو قريبة من النسب المتوقعة بناء على ما رصدته عدسات الكاميرات، وخبِره المواطنون أثناء تصويتهم، من فراغ غير مسبوق في اللجان، وزحام محدود فقط في اللجان الخاصة بالوافدين من محافظات أخرى، والتي كان التصويت فيها يتم بخروقات عديدة، فإن الهيئة قدّمت الثلاثاء نسباً وأرقاماً أثارت تشكيكاً واسعاً من المصريين، برز على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ودانها المراقبون واعتبروها برهاناً لعودة التزوير الممنهج والمفضوح للانتخابات والاستفتاءات في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. ولعل أبرز تعبير عن ذلك، قول منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن الاستفتاء جرى في بيئة "غير نزيهة وغير حرة"، وشابته "عيوب خطيرة". ووصف نائب مدير المنظمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مايكل بايج، التعديلات بأنها "محاولة وقحة لتعزيز سلطة الجيش على حساب الحكم المدني"، مضيفاً أن الاستفتاء "جرى في أجواء تفتقر إلى الحرية والعدالة".
أما الهيئة الوطنية للانتخابات، التي برزت كمتحدثة باسم الحكومة وداعمة لخيار الموافقة على التعديلات، فأعلنت أن المشاركة تخطت 44 في المائة، لتصبح بذلك في الأوراق الرسمية ثاني أكبر استحقاق لجهة نسبة المشاركة بعد انتخابات مجلس الشعب عام 2011، متفوّقة على استحقاقات سجلت ذاكرة المشاركين فيها قبل عدسات المصورين طوابير حاشدة وإقبالاً غفيراً على اللجان، كانتخابات الرئاسة 2012، واستفتاء التعديلات الدستورية 2011، واستفتاءي الدستور في 2012 و2014، وهو ما اعتُبر من قبل كثيرين محاولة مفضوحة لخداع العالم والرأي العام المحلي.
وبحسب النتائج النهائية التي أعلنتها الهيئة الوطنية للانتخابات الثلاثاء، فإن 88.83 في المائة من الأصوات الصحيحة (أي 23.41 مليون مواطن) جاءت موافقة على التعديلات، مقابل رفض 2.94 مليون ناخب بنسبة 11.17 في المائة.
وتناست الهيئة الوطنية أنها وزعت بنفسها الناخبين على اللجان بطريقة كانت كفيلة بتكدّسهم مما تسبّب بتعطيل مروري أمام المجمّعات الانتخابية على مدار أيام التصويت الثلاثة داخل مصر، فقد تراوح عدد الناخبين في كل لجنة بين 4 آلاف و10 آلاف ناخب، علماً بأن كل الاستحقاقات المذكورة سلفاً كانت اللجان فيها تضم على الأكثر 2500 ناخب. ولجأت الهيئة إلى هذه الطريقة في محاولة للتصدي لدعوات مقاطعة القضاة للإشراف على الاستفتاء، مع زيادة المبلغ المالي الممنوح للقاضي في كل لجنة خلال الأيام الثلاثة إلى 14 ألفاً و15 ألف جنيه (نحو 874 دولاراً)، علماً بأن أكبر بدل تقاضاه القضاة في السابق كان 7 آلاف جنيه في انتخابات الرئاسة السابقة، مما أدى إلى اختصار عدد اللجان إلى 14 ألفاً تقريباً.
ووفقاً لتقديرات مصادر قضائية مختلفة، فإن متوسط الحضور الجماهيري في الاستفتاء بمختلف المحافظات، تراوح بين 5 في المائة في المناطق الحضرية، و35 في المائة في المناطق الريفية التي قادت فيها أجهزة الأمن والمباحث المشهد، وضغطت بقوة على العُمد ومشايخ البلد والعوائل لدفع المواطنين للتصويت.
اقــرأ أيضاً
ومن واقع حديث 10 مصادر قضائية لـ"العربي الجديد" تنتمي لمجلس الدولة والنيابة العامة والقضاء العادي في لجان فرعية وعامة في القاهرة والجيزة والدقهلية والشرقية والمنيا ودمياط وأسيوط والوادي الجديد، فإن النتيجة المعلنة من قبل الهيئة الوطنية "شكّلت مفاجأة حقيقية ومدعاة للسخرية". وقال قاضٍ أدار لجنة فرعية في منطقة حضرية في محافظة الشرقية كانت تضم 6 آلاف ناخب، إن الصندوق كان فيه أقل من 50 صوتاً بعد أيام الاقتراع الثلاثة، وفوجئ في النتيجة العامة لمحافظة الشرقية بأن نسبة الحضور في لجنته تخطت 60 في المائة. بينما توقّع قاضٍ آخر أشرف على لجنة في الدقهلية وبلغت المشاركة القصوى في مجمعه الانتخابي 35 في المائة، أن الهيئة الوطنية أضافت ما لا يقل عن 5 ملايين صوت لنتيجة "نعم" فقط.
واعتبر قاضٍ آخر أشرف على لجنة في الجيزة، أن رقم 5 ملايين صوت مضاف "ضعيف جداً"، مشيراً إلى أن المسألة لا تتعلق بإضافة الأصوات، مؤكداً أن "معظم القضاة لم يرتكبوا تزويراً، وأن عدداً محدوداً منهم قَبِل بتسليم لجنته إلى الأمن الوطني لتكون مرتعاً للناخبين الوافدين، وبعضهم صوّت بنفسه للمواطنين، لكن بشكل عام يمكن ترجيح أن هذه الأعداد المضافة تمت إضافتها رقمياً فقط إلى النتيجة النهائية، وليست لها أوراق اقتراع حقيقية".
في السياق، قال قاضٍ رابع "إن الأصوات التي أضافتها الهيئة الوطنية قد تصل إلى ملايين عدة من الأصوات المزيفة"، موضحاً أن "نتائج تصويت المصريين في الخارج، والتي لم تُعلنها الهيئة بصورة منفردة، لن تُحدث هذا الفارق الكبير بين أرقام التصويت في الداخل، وفقاً لمحاضر الفرز، والنتائج الرسمية التي أعلنتها الهيئة الوطنية، خصوصاً أن أصوات المصريين في الخارج لن تتعدى 150 ألف صوت في الإجمال".
وبالتوازي مع هذا الحديث عن إضافة أصوات، برز خلال أيام الاقتراع اختفاء الطوابير تماماً من أمام اللجان، ليحل محلها زحام مصطنع من صنع الشرطة وحزب "مستقبل وطن" التابع للمخابرات العامة والمتحالف قاعدياً مع الأمن الوطني. وطفت على السطح مشاهد الرقص والغناء والاحتفالات والسيارات العامرة بالشباب والفتيات من العاملين في مجال تنظيم الحفلات، وظهرت في بعض المناطق "زفات" شعبية كاملة أهداها رجال أعمال أو شخصيات ذات طموحات سياسية لضمان موطئ قدم لهم في هذا الحزب أو ربما بالتعيين في مجلس الشيوخ الجديد، وذلك بحسب معلومات من مصادر سياسية وأمنية نافذة.
وحصلت "العربي الجديد" على مقاطع فيديو تثبت اصطحاب العناصر الأمنية لأشخاص في سيارات، والتجوّل بهم حول اللجان، والنزول أمام كل لجنة للتصوير وهم يرقصون ويغنون، ما ينفي صفة "العفوية" عن معظم مشاهد الازدحام، التي وصفها رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات في بيان إعلان النتيجة بـ"تعبير عن تحريك الوطنية الكامنة في المواطن المصري".
في السياق، كشف مصدر قضائي بارز في الهيئة الوطنية للانتخابات، أن تكلفة الاستفتاء على التعديلات الدستورية خلال الأيام الثلاثة كسرت حاجز الملياري جنيه (نحو 116 مليون دولار)، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الجانب الأكبر من المصاريف ذهب إلى المكافآت الممنوحة للقائمين على عملية الاستفتاء من قضاة وموظفين في جهاز الدولة، وقوات التأمين من القوات المسلحة والشرطة. فيما قال مصدر مطلع في حزب "مستقبل وطن"، المدعوم من الأجهزة الأمنية، إن الحزب وزع قرابة 10 ملايين "كرتونة" من السلع الغذائية على الناخبين، لحملهم على المشاركة في الاستفتاء، لافتاً إلى أن تكلفة الكرتونة تبلغ 45 جنيهاً في المتوسط، أي أن التكلفة الإجمالية تصل إلى 450 مليون جنيه (نحو 26 مليون دولار)، تحمّلتها أجهزة في الدولة، ورجال أعمال، ونواب في البرلمان، وأصحاب متاجر كبرى، في مختلف المحافظات.
وبين الزحام المصطنع وتوزيع الكراتين واللجان الخاوية والنتائج المفتقرة للمصداقية واحتفاء دعاة المشاركة والتصويت برفض التعديلات، بأن "لا" حصلت على نحو 3 ملايين صوت، يجلس المواطن المصري البسيط المثقل بالأعباء الاقتصادية في منزله، مقاطعاً هذا المشهد الاستفتائي برمته، قلقاً من مستقبل لا يستشف من ملامحه إلا زيادة في الفقر والعوز وتضييقاً على حرية الرأي والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى الرغم من أن هذه الشريحة الكبيرة، والتي تمثّل معظم الشعب المصري، اختارت العودة إلى "الكنبة"، كما كانت توصف في فترة ثورة يناير 2011، إلا أنها بهذا الصمت والمقاطعة وجّهت لطمة حقيقية لنظام السيسي الذي يعرف جيداً حجم المشاركة المتدني، على الرغم من الأموال الكبيرة التي أنفقت على الحشد الإعلامي والرشى الانتخابية وشراء الكراتين وحقائب الأغذية واللافتات التي انتشرت في كل شوارع مصر من دون استثناء تقريباً.
ولم تكتف هذه الشريحة الصامتة بذلك، بل وجّهت أيضاً إنذاراً شديد اللهجة للمعارضة المنفصلة عن الشارع القابعة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أعطت بمشاركتها وحشدها شرعية لهذا الاستفتاء المزدحم بالخروقات غير المغطى إعلامياً وغير المراقب حقوقياً.
ولعل احتفاء بعض رموز هذه المعارضة المدنية بحصول "لا" على نحو 3 ملايين صوت، في إطار استفتاء يشككون هم أنفسهم في صحة نتيجته ونسب المشاركة به، أمر معبّر عن غياب الرؤية الشاملة لهذه المعارضة، والتي يحاول السيسي المتاجرة بها في الخارج، إذ يقدّم للدوائر التي كانت تستفسر منه عن الاستفتاء ودوافعه ونتائجه، إثباتات بمشاركة المعارضة ودعوتها لرفض التعديلات على مواقع التواصل الاجتماعي، بغض النظر عن الواقع العملي الذي شهد غياب أي دعاية للرفض في الشوارع.
وبدلاً من أن تعلن الهيئة الوطنية للانتخابات نتيجة معبّرة عن الواقع أو قريبة من النسب المتوقعة بناء على ما رصدته عدسات الكاميرات، وخبِره المواطنون أثناء تصويتهم، من فراغ غير مسبوق في اللجان، وزحام محدود فقط في اللجان الخاصة بالوافدين من محافظات أخرى، والتي كان التصويت فيها يتم بخروقات عديدة، فإن الهيئة قدّمت الثلاثاء نسباً وأرقاماً أثارت تشكيكاً واسعاً من المصريين، برز على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ودانها المراقبون واعتبروها برهاناً لعودة التزوير الممنهج والمفضوح للانتخابات والاستفتاءات في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. ولعل أبرز تعبير عن ذلك، قول منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن الاستفتاء جرى في بيئة "غير نزيهة وغير حرة"، وشابته "عيوب خطيرة". ووصف نائب مدير المنظمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مايكل بايج، التعديلات بأنها "محاولة وقحة لتعزيز سلطة الجيش على حساب الحكم المدني"، مضيفاً أن الاستفتاء "جرى في أجواء تفتقر إلى الحرية والعدالة".
وبحسب النتائج النهائية التي أعلنتها الهيئة الوطنية للانتخابات الثلاثاء، فإن 88.83 في المائة من الأصوات الصحيحة (أي 23.41 مليون مواطن) جاءت موافقة على التعديلات، مقابل رفض 2.94 مليون ناخب بنسبة 11.17 في المائة.
وتناست الهيئة الوطنية أنها وزعت بنفسها الناخبين على اللجان بطريقة كانت كفيلة بتكدّسهم مما تسبّب بتعطيل مروري أمام المجمّعات الانتخابية على مدار أيام التصويت الثلاثة داخل مصر، فقد تراوح عدد الناخبين في كل لجنة بين 4 آلاف و10 آلاف ناخب، علماً بأن كل الاستحقاقات المذكورة سلفاً كانت اللجان فيها تضم على الأكثر 2500 ناخب. ولجأت الهيئة إلى هذه الطريقة في محاولة للتصدي لدعوات مقاطعة القضاة للإشراف على الاستفتاء، مع زيادة المبلغ المالي الممنوح للقاضي في كل لجنة خلال الأيام الثلاثة إلى 14 ألفاً و15 ألف جنيه (نحو 874 دولاراً)، علماً بأن أكبر بدل تقاضاه القضاة في السابق كان 7 آلاف جنيه في انتخابات الرئاسة السابقة، مما أدى إلى اختصار عدد اللجان إلى 14 ألفاً تقريباً.
ووفقاً لتقديرات مصادر قضائية مختلفة، فإن متوسط الحضور الجماهيري في الاستفتاء بمختلف المحافظات، تراوح بين 5 في المائة في المناطق الحضرية، و35 في المائة في المناطق الريفية التي قادت فيها أجهزة الأمن والمباحث المشهد، وضغطت بقوة على العُمد ومشايخ البلد والعوائل لدفع المواطنين للتصويت.
ومن واقع حديث 10 مصادر قضائية لـ"العربي الجديد" تنتمي لمجلس الدولة والنيابة العامة والقضاء العادي في لجان فرعية وعامة في القاهرة والجيزة والدقهلية والشرقية والمنيا ودمياط وأسيوط والوادي الجديد، فإن النتيجة المعلنة من قبل الهيئة الوطنية "شكّلت مفاجأة حقيقية ومدعاة للسخرية". وقال قاضٍ أدار لجنة فرعية في منطقة حضرية في محافظة الشرقية كانت تضم 6 آلاف ناخب، إن الصندوق كان فيه أقل من 50 صوتاً بعد أيام الاقتراع الثلاثة، وفوجئ في النتيجة العامة لمحافظة الشرقية بأن نسبة الحضور في لجنته تخطت 60 في المائة. بينما توقّع قاضٍ آخر أشرف على لجنة في الدقهلية وبلغت المشاركة القصوى في مجمعه الانتخابي 35 في المائة، أن الهيئة الوطنية أضافت ما لا يقل عن 5 ملايين صوت لنتيجة "نعم" فقط.
في السياق، قال قاضٍ رابع "إن الأصوات التي أضافتها الهيئة الوطنية قد تصل إلى ملايين عدة من الأصوات المزيفة"، موضحاً أن "نتائج تصويت المصريين في الخارج، والتي لم تُعلنها الهيئة بصورة منفردة، لن تُحدث هذا الفارق الكبير بين أرقام التصويت في الداخل، وفقاً لمحاضر الفرز، والنتائج الرسمية التي أعلنتها الهيئة الوطنية، خصوصاً أن أصوات المصريين في الخارج لن تتعدى 150 ألف صوت في الإجمال".
وبالتوازي مع هذا الحديث عن إضافة أصوات، برز خلال أيام الاقتراع اختفاء الطوابير تماماً من أمام اللجان، ليحل محلها زحام مصطنع من صنع الشرطة وحزب "مستقبل وطن" التابع للمخابرات العامة والمتحالف قاعدياً مع الأمن الوطني. وطفت على السطح مشاهد الرقص والغناء والاحتفالات والسيارات العامرة بالشباب والفتيات من العاملين في مجال تنظيم الحفلات، وظهرت في بعض المناطق "زفات" شعبية كاملة أهداها رجال أعمال أو شخصيات ذات طموحات سياسية لضمان موطئ قدم لهم في هذا الحزب أو ربما بالتعيين في مجلس الشيوخ الجديد، وذلك بحسب معلومات من مصادر سياسية وأمنية نافذة.
في السياق، كشف مصدر قضائي بارز في الهيئة الوطنية للانتخابات، أن تكلفة الاستفتاء على التعديلات الدستورية خلال الأيام الثلاثة كسرت حاجز الملياري جنيه (نحو 116 مليون دولار)، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الجانب الأكبر من المصاريف ذهب إلى المكافآت الممنوحة للقائمين على عملية الاستفتاء من قضاة وموظفين في جهاز الدولة، وقوات التأمين من القوات المسلحة والشرطة. فيما قال مصدر مطلع في حزب "مستقبل وطن"، المدعوم من الأجهزة الأمنية، إن الحزب وزع قرابة 10 ملايين "كرتونة" من السلع الغذائية على الناخبين، لحملهم على المشاركة في الاستفتاء، لافتاً إلى أن تكلفة الكرتونة تبلغ 45 جنيهاً في المتوسط، أي أن التكلفة الإجمالية تصل إلى 450 مليون جنيه (نحو 26 مليون دولار)، تحمّلتها أجهزة في الدولة، ورجال أعمال، ونواب في البرلمان، وأصحاب متاجر كبرى، في مختلف المحافظات.
وبين الزحام المصطنع وتوزيع الكراتين واللجان الخاوية والنتائج المفتقرة للمصداقية واحتفاء دعاة المشاركة والتصويت برفض التعديلات، بأن "لا" حصلت على نحو 3 ملايين صوت، يجلس المواطن المصري البسيط المثقل بالأعباء الاقتصادية في منزله، مقاطعاً هذا المشهد الاستفتائي برمته، قلقاً من مستقبل لا يستشف من ملامحه إلا زيادة في الفقر والعوز وتضييقاً على حرية الرأي والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى الرغم من أن هذه الشريحة الكبيرة، والتي تمثّل معظم الشعب المصري، اختارت العودة إلى "الكنبة"، كما كانت توصف في فترة ثورة يناير 2011، إلا أنها بهذا الصمت والمقاطعة وجّهت لطمة حقيقية لنظام السيسي الذي يعرف جيداً حجم المشاركة المتدني، على الرغم من الأموال الكبيرة التي أنفقت على الحشد الإعلامي والرشى الانتخابية وشراء الكراتين وحقائب الأغذية واللافتات التي انتشرت في كل شوارع مصر من دون استثناء تقريباً.
ولم تكتف هذه الشريحة الصامتة بذلك، بل وجّهت أيضاً إنذاراً شديد اللهجة للمعارضة المنفصلة عن الشارع القابعة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أعطت بمشاركتها وحشدها شرعية لهذا الاستفتاء المزدحم بالخروقات غير المغطى إعلامياً وغير المراقب حقوقياً.
ولعل احتفاء بعض رموز هذه المعارضة المدنية بحصول "لا" على نحو 3 ملايين صوت، في إطار استفتاء يشككون هم أنفسهم في صحة نتيجته ونسب المشاركة به، أمر معبّر عن غياب الرؤية الشاملة لهذه المعارضة، والتي يحاول السيسي المتاجرة بها في الخارج، إذ يقدّم للدوائر التي كانت تستفسر منه عن الاستفتاء ودوافعه ونتائجه، إثباتات بمشاركة المعارضة ودعوتها لرفض التعديلات على مواقع التواصل الاجتماعي، بغض النظر عن الواقع العملي الذي شهد غياب أي دعاية للرفض في الشوارع.