مصر: حسم صراع بقاء النقابات العمالية المستقلة اليوم

26 يونيو 2016
انضمام مصر لقائمة الدول المنتهكة لحقوق العمال(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
من المقرر أن تصدر محكمة مصرية، اليوم الأحد، حكمها في شرعية تأسيس النقابات العمالية المستقلة. فإمّا أن تصدر حكماً ببطلان هذه النقابات أو بشرعيتها، أو بأن تحيل قانون النقابات العمالية للمحكمة الدستورية العليا أمام الدائرة الثانية للنظر فيه. هذا الحكم الذي يحبس أنفاس ملايين العمال المصريين، له امتداد تاريخي، يعبّر عن صراع ضارٍ بين النقابات العمالية الرسمية والمستقلة، ويضع حداً فاصلاً في مستقبل العمل والحريات النقابية في مصر.

بداية تأسيس النقابات
في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2008، عقد المؤتمر التأسيسي للنقابة المستقلة للعاملين في الضرائب العقارية، في نقابة الصحافيين المصرية، بحضور نحو خمسة آلاف عضو. كان هذا المؤتمر بمثابة الخطوة الأولى في سعي الحركة العمالية المصرية المستقلة إلى إنشاء أول نقابة مستقلة بعيداً عن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر "الرسمي"، بتأسيس النقابة العامة للعاملين بالضرائب العقارية، لتصبح النقابة رقم 24، في جدول النقابات العمالية العامة البالغ عددها 23، والأولى في جدول النقابات العمالية المستقلة.

في المقابل، يضم الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، والذي كان يُعدّ الذراع العمالية لنظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وحزبه الوطني الحاكم آنذاك، 23 نقابة عمالية عامة، يبلغ عدد أعضائها حوالي 3.5 ملايين شخص، على الرغم من أن عدد العمال في مصر يقدر بنحو 17 مليون عامل، وهو ما يرجع إلى أن عضوية النقابات العمالية في مصر اختيارية وليست إجبارية، وفقاً لقانونها.

وأصبحت العضوية في النقابات العمالية اختيارية منذ صدور القانون 1 لسنة 1981، بموجب المادة رقم 3 التي تنص على أنّ "للعامل حرية الانضمام إلى المنظمة النقابية أو الانسحاب منها"، وكانت العضوية قبل هذا القانون إجبارية. إلا أن حرية انضمام العامل للنقابة التي يفضلها ظلّت معضلة كبيرة نتيجة عدم السماح للعمال بتأسيس نقاباتهم المستقلة بعيداً عن النقابات العمالية العامة التابعة للاتحاد الرسمي، وذلك على الرغم من أن مصر قد وقّعت وصدّقت على اتفاقيات منظمة العمل الدولية، خصوصاً اتفاقية الحرية النقابية، وحماية الحق في التنظيم رقم (87) لسنة 1948، واتفاقية الحق في التنظيم والمفاوضة الجماعية رقم (98) لسنة 1949 للمنظمة ذاتها.

وكلا الاتفاقيتين تتضمن نصوصاً تطلق الحريات النقابية، ومنها الحق في تأسيس النقابات من دون قيد أو شرط. فقد نصت المادة الأولى من الاتفاقية 98 لسنة 1949 على أنّه "لكل عامل الحماية الكافية من أية أعمال يقصد بها التمييز بين العمال في مجال استخدامهم، إخلالاً بحريتهم النقابية. ويكون ضمان هذه الحماية لازماً بوجه خاص إزاء الأعمال التي يقصد بها تعليق استخدام العامل، بشرط عدم الانضمام إلى منظمة نقابية، أو حمله على التخلي عن عضويته فيها، أو معاملته إجحافاً لانضمامه إليها، أو لإسهامه في نشاطها بعد انتهاء عمله".

وعلى نهج النقابة المستقلة للضرائب العقارية، سارت ثلاث نقابات عمالية مستقلة أخرى، قبل عام 2011، على الرغم من التضييق الشديد عليهم من قبل الجهات الأمنية ووزارة القوى العاملة والهجرة المصرية. وبعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، اشتعلت الحرب بين النقابات المستقلة والاتحاد العام لنقابات عمال مصر "الرسمي"، وذلك عقب تأسيس الاتحاد المصري للنقابات المستقلة، وهو أول اتحاد عمالي مستقل في مصر، وترأسه حينها كمال أبو عيطة، وكان يضم الاتحاد أربع نقابات مستقلة، هي الضرائب العقارية، والفنيين الصحيين، والمعاشات، والمعلمين.

وبعد ذلك، انهالت على وزارة القوى العاملة والهجرة المصرية عشرات الطلبات بقبول أوراق تأسيس النقابات المستقلة التي انتزعها العمال على الرغم من حربهم الضروس التي قادها ضدهم قيادات الاتحاد الرسمي ومجلس إدارته.






حكم السلطة

تأسس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر "الرسمي" عام 1957 بأمر من رئيس الجمهورية الراحل، جمال عبد الناصر. ويضم الاتحاد 23 نقابة عامة تشمل كافة الأنشطة الاقتصادية، "الإنتاجية والخدمية"، على مستوى الجمهورية. كان مجلس إدارة الاتحاد يضم 23 عضواً، منهم 21 من الحزب الوطني المنحلّ، في آخر دورة نقابية 2006 -2011، وهي الدورة التي جاءت وفقاً لانتخابات شابها التزوير، بحكم القانون المصري.

وبعد الثورة، وتحديداً في 4 أغسطس/ آب 2011، أعلنت الحكومة المصرية، ممثلة في وزير القوى العاملة والهجرة، آنذاك، أحمد البرعي، تنفيذ أحكام القضاء ببطلان الانتخابات النقابية للاتحاد عن دورة 2006 -2011، وتشكيل لجنة إدارية مشرفة عليه حتى فترة الانتخابات المقبلة، والتي لم تتم حتى اليوم.

بعد القرار "الثوري" بتنفيذ أحكام القضاء وحل مجلس إدارة الاتحاد الرسمي، أقدمت الحكومات المتعاقبة على طرح مسودات لقانون النقابات العمالية الذي يقنّن أوضاع النقابات المستقلة، والذي ستُجرى على ضوئه الانتخابات في الاتحاد الحكومية، إلا أن تلك المسودات ظلّت حبيسة الأدراج على الرغم من الحوارات المجتمعية والمناقشات التي تمت وفقاً لكل مسودة. ونتيجة عدم صدور قانون جديد للنقابات العمالية المصرية حتى الآن، أقدمت الحكومات المتعاقبة على مدّ أجل الدورة النقابية لمدة ستة أشهر من تاريخ انتهاء كل دورة نقابية.

انتهت أول دورة نقابية للاتحاد الرسمي، في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، ومدّ أجلها المجلس العسكري بموجب المرسوم بقانون رقم 3 لسنة 2012 في 2 يناير/ كانون الثاني 2012 لمدة ستة أشهر. ومُددت مرة أخرى لفترة مماثلة بالقانون رقم 18 لسنة 2012، في 23 إبريل/ نيسان 2012. ومددها الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي لمدة مماثلة بقرار رقم 97 لسنة 2012، بتعديل بعض أحكام قانون النقابات العمالية، ومدّ الدولة النقابية للاتحاد فترة إضافية، بدلاً من إصدار قانون جديد للحريات النقابية. واستمر قرار مدّ الدورات النقابية للاتحاد الرسمي، على هذا الحال.

مصير التودّد للسلطة
أما الاتحاد المصري للنقابات المستقلة، فقد تعثر كثيراً منذ إنشائه، الأمر الذي انتهى به إلى سلسلة استقالات من مجلس إدارته ومكتبه التنفيذي، نتيجة التخبط الشديد في قراراته وعمله، ومحاولة تقربه وتودّده للحكومات. واستمدت النقابات المستقلة في مصر، قوتها من المؤتمر الصحافي، الذي حضره المدير العام لمنظمة العمل الدولية، حينها، خوان سومافيا، في 12 مارس/ آذار 2011، والذي أعلن فيه وزير القوى العاملة والهجرة المصري السابق، أحمد حسن البرعي، إصدار إعلان الحريات النقابية للمرة الأولى في مصر.






وبناءً عليه، تم رفع اسم مصر للمرة الأولى في تاريخها من قائمة الملاحظات لمنظمة العمل الدولية، المعروفة إعلامياً بـ"القائمة السوداء"، والتي تضم الدول المنتهكة للحقوق والحريات العمالية والنقابية، قبل أن تعود مصر للقائمة من جديد في العام التالي لغاية الآن. تلك الخطوات المتسارعة نحو الحريات النقابية في مصر، تعطّلت كثيراً نتيجة التباطؤ في إصدار قانون جديد للنقابات العمالية يؤكد شرعية ما بنته ثورة يناير/ كانون الثاني، ويمحي أطلال الماضي. وتوالت الضربات التي تلقتها النقابات المستقلة في مصر، بعد ذلك.

البداية كانت مع مرسوم القانون الذي أصدره المجلس العسكري المصري، الذي تولى مقاليد الحكم عقب الثورة، رقم 34 لسنة 2011، والذي جرّم الحق في الإضراب، وبموجبه حكمت المحكمة العسكرية في القضية رقم 2535 لسنة 2011، بحبس 11 عاملاً لمدة عام، والنهاية كانت بقانون التظاهر المصري، فضلاً عن استمرار الملاحقات الأمنية للقيادات العمالية المستقلة.

انتهى أمر الاتحاد المصري للنقابات المستقلة، ورئيسه السابق، كمال أبو عيطة، الذي تولى منصب وزير القوى العاملة والهجرة بعد الانقلاب على مرسي، في أول حكومة تم في عهد الرئيس المعين عدلي منصور. كان أبو عيطة شديد الولاء للنظام، حتى خروجه من الوزارة في أول تغيير وزاري، تاركاً خلفه اتحاداً عمالياً مستقلاً مهترئاً، بعد الاستقالات المتتالية التي حدثت في مكتبه التنفيذي، اعتراضاً على سياسات الاتحاد وولائه للنظام، وانسحاب العديد من النقابات المستقلة من تحت مظلته، وبقي من الاتحاد المصري للنقابات المستقلة، مقراً بوسط القاهرة، وأعضاء مكتب تنفيذي منشغلون بالعمل السياسي لا النقابي.

أبو عيطة الذي ظهر وكأنه قائد للإضرابات العمالية في مصر، وأسس أول نقابة عمالية مستقلة، وأول اتحاد عمالي مستقل، دخل مجلس الشعب عام 2011 على قائمة جماعة "الإخوان المسلمين"، ثم تولى منصب وزير القوى العاملة والهجرة، بعد انقلاب 3 يوليو/ تموز، وخرج منها في أول تعديل لها، من دون علمه، إذ وصله الخبر من خلال وسائل الإعلام، واختفى بعدها فترة طويلة، قبل أن يتسرب نبأ عمله كمستشار إعلامي لواحدة من المنظمات الحقوقية المختصة بالشأن العمالي المصري. وأخيراً، ذاعت صوره وتصريحاته من الولايات المتحدة التي سافر إليها، خصوصاً لدعم الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي.