مصر بتخرب

13 اغسطس 2015
قوات "الأمن" أصبحت مجموعات جريمة منظمة (فرانس برس)
+ الخط -
بينما يقف الجنرال مرتدياً رداءه العسكري وترهق وجهَه تلك الابتسامةُ "الآسرة"، على ظهر المركب الخديوية التي ثار أسلافه على أصحابها، وجعلوها مركب نفي لآخرهم، كان أفراد جريمته المنظمة يقتلون مجموعة من المواطنين العزّل في محافظة الفيوم، بزعم مشاركتهم في تلك الجريمة التي ارتقت فيها طفلة ذات أربعة أعوام.


منذ استولى ذو البسمة الآسرة على المسار الوطني، وأحاله مساراً دموياً، انتكب الوطن بعد أن ظننا حكم "الباريه" رحل مع مبارك، فعاد الإفقار والتجويع لأغلب المصريين، مقابل الإغداق على "أذرع" النظام، إفقار لأجل أن يلتفت الناس لأكل العيش دون الكرامة، كرامة الكسب والحياة وحرية الاختيار.

لم يعد هناك أي توصيف لقوات "الأمن" سوى أنها مجموعات جريمة منظمة، لديها رخصة القتل والتنكيل لأي سبب ودون أي رادع، يكفي أن يشعر بالاشمئزاز منك لتنال قسطك من العذاب، وأقصى ما يمكن التعرض له النقل من مكانه، أما إن كنت من الإخوان فربما يصل الأمر للقتل سواء كان القتل بالتصفية، أو الإهمال الطبي المتعمد، مع تهنئة للشعب بأن "مصر بتفرح" و"نكدت على الخرفان"، كما تصنع صفحات الشرطة غير الرسمية، ليزداد الغل في النفوس وتشتعل الأوضاع أكثر فأكثر، أفراد الجريمة المنظمة أصبحوا أكثر جرأة واستفزازا، يقولون بعد عمليات القتل خارج القانون لأحد ذوي المقتولين: "قتلنا قريبك فلان" ثم بعد ذلك يُبذل جهد سنوات -مع ذوي المغدورين- لأجل عدم التكفير أو التوجه للعنف والاندماج مع المجتمع، وكان يمكن تفادي ذلك بالتحلي ببعض المسؤولية والرجولة والانضباط من قِبل حاملي السلاح المرخّص.

على جانب آخر لم يتمزق المجتمع كتمزقه الحالي، نعم ساهمت التيارات السياسية بذلك، لكن تشريع الحاكم للتنافر والحض عليه، من أبْين أمارات انعدام صلاحيته وفساده وعدم أمانته في حكم وطن يحتاج للائتلاف لا الاختلاف.

كذلك الجانب المعيشي الذي يعني المواطن أولاً قبل كل شيء "رغم ترتب المعيشة على الحرية" وصل لمنحنيات شديدة السوء، ورغم تدفق المليارات التي كان يمكنها إصلاح الكثير من حال البلد المتأزم، اكتفى متلقفوها -فيما يبدو- بالإغداق بها على أنفسهم وأذرعهم والنفقات الأمنية، وأخيرا مظاهر البذخ الأهوج في المحافل الدولية، كاصطحاب "المهللين" في الزيارات الرسمية والدولية، ليبدو الحاكم محبوبا بين أنصاره، أو نفقات الحفلات المبالغ فيها "30 مليون دولار نفقات حفل تفريعة قناة السويس، نحو 26 مليون دولار نفقات العملات الذهبية" في ظل وضع اقتصادي متردٍ للغاية، والمطحونون سليمو النية يحتفلون على أمل نيلهم المكاسب بعد ذلك، أو في أبسط الأحوال لأجل وطنهم الذي ظنوا تقدمه بها.

إذا كان الإخوان بعنادهم وغبائهم وتحالفاتهم السابقة مع العسكر أوصلونا لتلك المرحلة، فستبقى جبهة الإنقاذ بكل رموزها وأحزابها، أقبح ما أنجبت السياسة المصرية، بتحالفهم -الذي لم ينفض حتى الآن- مع أقبح صور الحكم الديكتاتوري الدموي، فلا هم صححوا المسار كما زعموا ولا نفضوا أيديهم من الدماء، بل أعان معظمهم عليها وروجوا لها، حتى صاروا على هامش هامش صنع القرار، حتى التصفيق والتهليل لم يعودوا في نظر الحاكم أهلا له؛ فصاحب البسمة الآسرة لم يعد يرضيه سوى نموذج المذيع صاحب الصوت العالي ربيب الصحافة الأمنية، والكاتب الذي ينتمي لحقبة الستينات فكرا وعملا.

ما يصيب الوطن الآن أكثر رعبا وفزعا من مجرد استبداد أو تأسيس له، بل هو تأسيس لخراب قيم مهترئة أصلا، وخراب مجتمع لم تنل منه السياسة أبدا إلا قريبا جدا، وخراب معيشة لا متنفس فيها للفقراء ولا حتى متوسطي الدخل مع تآكل قيمة العملة المحلية، وضعف قدرتها الشرائية، وخراب سياسة يؤذن بالتوجه لمسارات العنف بأريحية؛ نظرا لانسداد كل آفاق التعبير.

(مصر)
المساهمون