مسالك وممرّات الطيور تحكمها الجينات

بين عامَي 2000 و2001، أجرى الكاتب مع زميل له دراسات في لبنان بيّنت أن الطيور المحلقة (كالعقبان والنسور واللقالق) التي تعبر الوطن في موسمَي هجرة الربيع والخريف، تعتمد طرقات محددة بمواصفات خاصة وتطير في النهار وفوق اليابسة فقط. أما الطيور غير المحلقة (كالعصافير الصغيرة المغرّدة والصقور وطيور الماء)، فدروبها غير محددة وقد تكون فوق البحر أو اليابسة وفي النهار أو الليل.

وقد بيّنت الدراسة وما تلاها من أبحاث للكاتب أن هذه الطيور الحوامة تعتمد خطوطاً موازية لشاطئ البحر، وعلى ارتفاع أقله 300 متر فوق سطح البحر، وأن أفضل الممرات هي على بعد 12 كيلومتراً من الشاطئ. وذلك لأن قمم الهضاب عند هذا البعد تخترقها خنادق ووديان كثيرة من الشمال إلى الجنوب، الأمر الذي يسهّل على هذه الطيور التحليق والحوم طول فترة السفر، وهي تضع الساحل نصب أعينها كدليل على الاتجاه كما ورثته جينياً عن أهلها.

وفي إطار الحديث عن الجينات وتأثيرها على هجرة الطيور، نسرد: أخذ علماء الطيور بيضة من عش لقلاق في إسبانيا ووضعوها في عش لقلاق في تركيا، ولم يتركوا في العش غيرها. كذلك أخذوا بيضة من العش نفسه في تركيا ووضعوها في عش إسبانيا ولم يتركوا غيرها. فقست البيضتان في العشَين وقام الأهل "بالتبني" بإطعام الفراخ حتى صارت قادرة على الطيران. وبما أن فراخ اللقلاق تهاجر إلى أفريقيا قبل والدَيها، فقد عاد الفرخ الذي فقس في تركيا إلى إسبانيا ثم نزل إلى أفريقيا عن طريق مضيق جبل طارق. أما الفرخ الذي فقس في إسبانيا فعاد إلى تركيا ونزل إلى أفريقيا عن طريق مضيق البوسفور. أما في منطقة الشرق الأوسط فهذه الطيور الآتية من أماكن التفريخ في معظم دول أوروبا وشرق آسيا تتابع سيرها حتى تصل إما إلى قناة السويس (عين سخنة) فتقطعها حتى تصل إلى أفريقيا، أو تصل إلى جنوب سيناء (رأس محمد – جبل الزيت) فتقطعها إلى أفريقيا أيضاً، أو تصل إلى باب المندب فتقطعه لتدخل أفريقيا من آخر بوابة لها.

ويعتبر علماء الطيور أن الخط الذي تسلكه الطيور الآتية من معظم أوروبا وشرق آسيا عبر مضيق البوسفور وصولاً إلى باب المندب جنوباً والذي يضم مليون ونصف طائر حوام تنتمي إلى 39 نوعاً من أنواع الطيور، هو ثاني أهم خط هجرة في العالم بعد الخط الذي يتجه من شمال أميركا إلى جنوبها. وتحديد مسالك هجرة الطيور تُجنّب إنشاء محميات صيد على دروبها أو توربينات طاقة هوائيّة بالقرب منها منعاً لإحداث مجازر في حقها، خاصة وأن من بين الـ 39 طائراً محلقاً/حواماً في لبنان ستة أنواع مهددة بالانقراض على المستوى العالمي.

*اختصاصي علم الطيور البريّة