تعذّر على الشاب الفلسطيني "مصطفى" أن يروي تفاصيل مغامرته للدخول إلى القدس، يوم أمس، الجمعة الرابعة من رمضان، متسللاً عبر جدار الفصل العنصري بعد أن قفز عن علو ثمانية أمتار ليصاب بكسور في كعبيه وساقيه، ثم ما لبثت أن امتدت الأوجاع إلى ظهره وكتفيه.
وعلا صراخ مصطفى من الألم داخل العيادة المتواضعة في المسجد الأقصى، والتي استقبلت خلال الشهر الفضيل وحتى اليوم، أكثر من 65 إصابة لشبان وقاصرين وبعض البالغين، والذين لم يحصلوا على تصاريح دخول، فاختاروا الطريق الصعب للوصول إلى القدس، فما بلغوا مسجدها العظيم إلا بشق الأنفس، بعضهم تحطمت عظام جسده، وبعض آخر نزفت يداه وهو ينزل سريعاً عن الجدار مستعيناً بحبل مقوى.
قال مصطفى إنه أصر على دخول القدس في جمعة رمضان الأخيرة، كما دخلها في جمعتيه الأولى والثانية، قبل أن يحرم من الصلاة في الأقصى في الجمعة الرابعة والأخيرة. لكنه هذه المرة لم يدخلها بتصريح، وقرر أن يحذو حذو أعداد كبيرة من الشبان في دخولها من خلال التسلل عبر جدار الفصل العنصري الذي يحيط بالقدس إحاطة السوار بالمعصم، أو القفز عنه.
كان يدرك أن ما ينتظره أحد أمرين: إما الاعتقال أو الإصابة، وكانت الإصابة نصيبه هذه المرة، لكنها ليست كالإصابات الأولى التي ألمّت به حين دخل القدس "متسللاً" قبل أكثر من عام، فسقط من علو الجدار، واعتقل وفوق إصابته تعرض للضرب.
قبل ذلك، كان مصور صحافي من محافظة الخليل، يدعى "قتيبة" في الحادية والعشرين من عمره، ويعمل لموقع إخباري داخل فلسطين المحتلة عام 48، وصل عيادة الأقصى مصاباً برضوض في مختلف أنحاء جسده بعد أن وصل القدس عبر مقطع جدار الفصل من ناحية العيزرية، وتلقى هو الآخر العلاج الأولي قبل أن يغادر العيادة على عجل، لكن الألم لم يبرحه لحظة انتقاله من العيادة واختفائه بين جموع المصلين الذين غصّت بهم ساحات المسجد الأقصى.
وسبقت ذلك، إصابة شاب في ساعة متأخرة من ليل الخميس الجمعة، بجروح ما بين متوسطة إلى خطيرة، بعد أن سقط عن مقطع جدار الفصل قرب ضاحية البريد شمال القدس. وقال مسعفون، إن الشاب سقط عن علو ثمانية أمتار، وأصيب بكسور في الحوض والساق، وتم نقله إلى أحد المشافي في المدينة.
ويروي أحد المسعفين في عيادة الأقصى ويدعى سامي أدكيدك، أن جنود الاحتلال الذين يراقبون مقاطع جدار الفصل العنصري يتعمدون إلحاق الضرر والإصابة مضاعفة بالشبان "المتسللين"، من خلال تريثهم حتى يقفزوا عن الجدار لتبدأ ملاحقتهم ومطاردة الدوريات لهم وهم مصابون، الأمر الذي ينتج عنه مضاعفة حدة الإصابات لتتجاوز موضع الكسر والرضوض إلى بقية أنحاء الجسم، علماً أن الجنود يتركون هؤلاء لمصيرهم، فيما يعتقل من يقع في أيديهم ويوسعونهم ضرباً فوق الإصابة.
يقول أحمد سرور مدير إحدى العيادات في المسجد الأقصى، إنه في الجمعتين الأولى والثانية من رمضان وصل العيادة أكثر من عشرين مصاباً بكسور ورضوض جرّاء القفز عن الجدار، وبلغ عدد المصابين في الجمعتين الثالثة والرابعة ضعفي هذا العدد، ولا يشمل هذا من يتم نقلهم مباشرة إلى مستشفيات القدس، أو مستشفيات الضفة حيث يسقطون في الجانب الآخر من الجدار بعد أن يكتشف أمرهم.
وتستقبل العيادة أعداداً أكبر من الشبان يصلون الأقصى في حال من الإعياء الشديد وضربات الشمس بعد أن يكونوا قد قطعوا مسافات طويلة مطاردين في المسالك الوعرة المحيطة بالقدس.