مدرسة المشاغبين

23 ديسمبر 2015

الاستهتار بالمعلمين شعار عشاق "مدرسة المشاغبين" (إنترنت)

+ الخط -

أن تحوز فلسطينية على تكريم عالمي من مؤسسة فاركي فاونديشن في مسابقة أفضل خمسين معلماً في العالم، والتي أقيمت أخيراً في بريطانيا، فمعنى ذلك أن المعلمة الفلسطينية، حنان الحروب، مثالية لاقت الاحترام والتقدير من طالباتها على مدى سني خدمتها في حقل التعليم، فأعطت مقابل ذلك الإخلاص والتفاني، وحصدت ثمار تعبها، وقد أكدت، بعد خبر تكريمها، استمرارها في مسيرتها المشرقة، لأن السلاح الفلسطيني القادر على الوقوف في وجه الاحتلال الإسرائيلي هو التعليم.

ولم تتوقف طالبات معلمة أخرى عن تذكّرها واستحضار مآثرها، خصوصاً مع الاحتفال هذه الأيام بيوم المعلم الفلسطيني. ولكن، للأسف بعد أن ارتقت شهيدة، وهي ريهام دوابشة التي قضت حرقاً بعد أن تعرضت عائلتها لأبشع عملية إبادة صهيونية، ولم يبق من أفراد عائلتها سوى طفل سيبقى فخوراً بأمه، فهي المعلمة الفاضلة التي تذرف طالباتها الدموع افتقاداً لعطائها وإنجازاتها.

الحروب ودوابشة نموذجان فلسطينيان يجعلانا نهمس لأنفسنا بأن "حال التعليم ما زال بخير"، حيث حققتا المعادلة التعليمية متعادلة الطرفين، العطاء والاعتراف بالفضل، خصوصاً مع إصرار قنوات فضائية على إعادة بث مسرحية "مدرسة المشاغبين" في الإجازات المدرسية، وكأنها تعطي للطلبة الكبار والتلاميذ الصغار جرعات من التمرد والعصيان وقلة الاحترام والسخرية من الهيئة التدريسية بأكملها، ومن المواد العلمية التي جاهد العلماء لوضع أصولها، حتى يأتي ممثل مثل سعيد صالح، ليكتشف أن تعريف علم المنطق هو "أن تضرب شخصاً وما يحطش منطق".

بدأ عرض "مدرسة المشاغبين" في عام 1975، لترسي قواعد التعامل مع المدرسة، وهي الصرح التعليمي الذي يعمل تحت لوائه من نادى أحمد شوقي يوماً بأن نقف له ونوفّه التبجيلا، لأنه كاد أن يكون رسولاً. ولكن ذلك لم يحدث، حيث كان الاستهتار بالمعلمين وتحدي قوانين المدرسة وأنظمتها هو شعار عشاق المسرحية، وما زال، وكأن من يفعل ذلك مراهق بامتياز، علماً أن الممثلين الذين ظهروا في المسرحية لم يكونوا في السن التي تقنع المشاهد بأن يؤدوا أدوار الطلاب المتمردين، فأكثرهم كان قد تجاوز الثلاثين من عمره، ولم يكن فارق العمر بين المعلمة عفّت والتلاميذ الأبطال سوى سنوات، هذا إذا ما تقبلنا أن تقوم معلمة شابة بتعليم الذكور في المرحلة الثانوية في المدارس العربية (يحدث ذلك بنجاح في تونس والمغرب).

عندما كنا صغاراً، نحن جيل الثمانينيات، كنا نقف تبجيلاً وتكريماً للمعلم. وكنا نسأل أنفسنا هل يأكل المعلم مثلنا؟ وهل ينام، وهل له أسرة وأولاد مثلنا؟ لأن المعلم كان، في نظرنا، في مصاف الملائكة، ولكن أسباباً كثيرة أدت إلى تدنّي قيمة المعلم، فتدهور الأوضاع الاقتصادية والانفلات السياسي من الأسباب التي أدت إلى ذلك، وسماعنا أخباراً مشينة عن حوادث اعتداء على المعلمين في كل البلاد العربية، فقد رصدت إحصائية مصرية نحو 270 حادثة اعتداء على معلمين، في شهر ونصف الشهر فحسب من بداية العام الدراسي الحالي، فمصر كانت وما زالت أول دولة عربية صدّرت نظام الدروس الخصوصية، بسبب انخفاض أجور المعلمين، ما أدى إلى الاستهانة بوظيفة المعلم، ولجوئه إلى الدروس الخصوصية لزيادة دخله، فاضمحل مركزه، وهذا ما أوجزه المعلم، محمد هنيدي، حين قال: "إيه يبقى من كرامة الأستاذ، بعد ما يشرب الشاي ويأكل الجاتوه في بيت الطالب".

وفي غزة، ومع تردّي الوضع الاقتصادي، وعدم تلقي المعلمين رواتبهم شهوراً، فإن ظاهرة الدروس الخصوصية أصبحت تتسع، والمبارزة بين المعلمين حول تخفيض أسعار الدروس تستعر، ما حدا بأحد الطلبة الذي أصبح يعترف بدوره "ممول المدرس" أن يتطاول بلسانه على معلمه، بقوله: لولا المال الذي تحصل عليه من أبي التاجر الثري لتضوّرت جوعاً، لا تثقل علي بالواجبات وتطيل مدة الدرس، لكي لا "أقطع عيشك"، بتذمر بسيط أوصله لأذني أبي.

دلالات
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.