مدخنون من كلّ الأعمار في الأردن

10 فبراير 2019
ازداد انتشار النرجيلة في السنوات الأخيرة (فاليري شريفولين/ Getty)
+ الخط -
تكشف المشاهد اليومية في حياة الأردنيين أنّ القوانين والتشريعات لمواجهة التدخين يمكن وصفها بأنّها مجرد حبر على ورق، فالنائب المشرّع نفسه يدخن تحت قبة البرلمان، والطبيب والمريض والمراجع يدخنون في حرم المستشفى، والموظف العام يدخن في مكتبه، ووسائل المواصلات العامة مليئة بدخان السجائر، والمراهقون يمكنهم شراء التبغ سواء من السجائر، أو من تجهيزات النراجيل وموادها، من المتاجر من دون رقابة.

قوانين منع التدخين، بالرغم من وجودها، فإنّ تطبيقها مرهون برغبة المديرين وكبار المسؤولين، فالوزير أو المدير غير المدخن يمنع التدخين في المؤسسة التي يقف على رأسها، أما المدير المدخن فيتغاضى عن تطبيق القانون. وكلّ الأماكن مفتوحة للتدخين في الأردن، باستثناء بعضها. وفي السنوات الأخيرة، باتت النرجيلة باب وجاهة اجتماعية ومظهراً من مظاهر الرقي، بعدما كان تدخينها العلني فعلاً معيباً، ومظهراً سلبياً.




يقول أحمد العبادي، وهو طالب في الصف الأول الثانوي لـ"العربي الجديد" إنّ كلّ الظروف تشجعه على التدخين، فوالده مدخن، وكذلك شقيقه الأكبر. يشير إلى أنّ تدخين النرجيلة بات أحد الطقوس المنزلية لديهم، خصوصاً لدى حضور أصدقاء شقيقه، إذ يدخن النرجيلة معهم باعتباره أمراً طبيعياً. يتابع: "لا أدخن أمام والدي، لكنّه يعرف أنّني أدخن".

بخصوص المدرسة، يقول: "بلا مبالغة، فإنّ أكثر من ربع تلاميذ صفي هم من المدخنين، كما أنّ عدداً من المدرّسين مدخنون". مع ذلك، يعتبر أحمد أنّ تدخين الفتيات السجائر معيب، لكنّه لا يستقر على رأي في ما يتعلق بتدخينهن النرجيلة. يضيف: "أشتري علب السجائر. وفي كثير من الأيام المعسّل (تبغ النرجيلة)، لكن لم يسألني يوماً التاجر عن عمري".

أصدرت منظمة الصحة العالمية بياناً صحافياً في إطار إطلاق حملة "اطفيها" لتطبيق قانون الصحة في الأردن، فقالت: "القانون يحمي صحتك، من الخطر الداهم والأزمة الصحية التي تهدّد الصحة العامة. نسب المدخنين في الأردن من الأعلى في العالم، إذ تصل نسبة المدخنين الذكور البالغين، بحسب آخر الإحصائيات في عام 2015، إلى 70.2 في المائة، وهي بذلك أعلى نسبة في الشرق الأوسط، وثاني أعلى نسبة مدخنين ذكور في العالم بعد إندونيسيا". في ما يتعلَق بالتدخين السلبي (التدخين غير المباشر) فإنّ أكثر من 60 في المائة من غير المدخنين يتعرضون له. أضافت المنظمة أنّ حالة وفاة واحدة من بين كلّ ثلاث وفيّات في الأردن تُعزى إلى تعاطي التبغ.

يقول المهندس أحمد أمين، من قسم الوقاية من أضرار التدخين في وزارة الصحة الأردنية، إنّ زيادة نسبة المدخنين في الأردن تعود إلى سلوكيات المواطنين، ومنها القبول الاجتماعي للتدخين، خصوصاً النرجيلة، بالإضافة إلى أسعار منتجات التبغ المنخفضة، ومخالفة القوانين بالتدخين في الأماكن العامة التي يمنع فيها. يشير إلى أنّ الأردن من أوائل الدول الموقعة على اتفاقية مكافحة التبغ عام 2004، وقد دخلت حيز التنفيذ عام 2005، لكنّ ذلك لم يساهم في انخفاض أعداد المدخنين. يوضح أنّ آخر دراسة نفذتها وزارة الصحة لمن هم فوق سن 18 عاماً، كانت في عام 2007، وكشفت أنّ نحو ثلث السكان من المدخنين. وتبيّن أنّ نصف الذكور البالغين مدخنون. وأشارت دراسة أخرى إلى أنّ نسبة مدخني السجائر بين الذكور من الفئة العمرية 13-15 عاماً، تصل إلى 14 في المائة، بينما نسبة تدخين النرجيلة للفئة العمرية نفسها هي 23 في المائة، ما يدلّ على تفاقم مشكلة التدخين في البلاد.

يشير أمين إلى أنّ التقديرات والأرقام حول زيادة تناول التبغ في الأردن مرتبطة بحجم الإنتاج واستيراد المواد الخام، والعديد من المعطيات الأخرى، لافتاً إلى أنّ دول الجوار، خصوصاً فلسطين، وبسبب الأسعار المرتفعة مقارنة بالأردن، تستهلك جزءاً من التبغ المتوفر في السوق الأردني، فكيلو المعسل يباع بنحو 100 دولار أميركي في فلسطين والأراضي المحتلة، وعلبة السجائر بما يتراوح بين 5 و7 دولارات، فيما الأسعار في الأردن لا تصل إلى ثلث هذه الأسعار. وهو ما يدلّ أيضاً على سهولة شراء الأردنيين للتبغ.

يتابع: "كلفت وزارة الصحة ضباط ارتباط مكافحة التدخين في جميع الوزارات والمؤسسات العامة بمتابعة الالتزام بتطبيق القانون وضبط المخالفات، وقد جرى تحرير 570 مخالفة، وأغلق 49 مكاناً، ووجّه أكثر من 1600 إنذار العام الماضي. يشير إلى أنّ الوزارة تقوم بدورها التوعوي حيال أضرار التدخين، وتقدم خدمات المشورة والإرشاد والعلاج المناسب للإقلاع عن التدخين مجاناً، من خلال خمس عيادات؛ اثنتان منهما في العاصمة عمّان، وواحدة في كلّ من الزرقاء وإربد والكرك.




ينص قانون الصحة العامة الأردني رقم (11) المعدّل عام 2017، على المعاقبة بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن 3 أشهر، أو بغرامة لا تقل عن مائة دينار (140 دولاراً) ولا تزيد عن مائتي دينار (280 دولاراً) لكلّ من قام بتدخين أيّ من منتجات التبغ في الأماكن العامة المحظور التدخين فيها. كذلك، يعاقب بالحبس مدة لا تقلّ عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ستة أشهر، أو بغرامة لا تقل عن ألف دينار (1400 دولار) ولا تزيد عن ثلاثة آلاف دينار (4200 دولار) المسؤول عن المكان العام المحظور التدخين فيه الذي يسمح لأيّ شخص بتدخين أيّ من منتجات التبغ فيه، وعدم الإعلان عن منع التدخين في المكان العام، والعقوبة نفسها لبيع السجائر لمن هم دون الثامنة عشرة. ويعاقب بالحبس أيضاً مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ستة أشهر، وبغرامة، في الوقت نفسه، لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد عن ثلاثة آلاف دينار كلّ من قام بتدخين أيّ من منتجات التبغ في دور الحضانة ورياض الأطفال والمدارس في القطاعين العام والخاص، أو من يسمح بذلك.
دلالات