تستعدّ العديد من العائلات التونسية لإرسال أبنائها إلى المدارس اليوم، بعد غياب دام نحو 6 أشهر في ظل الإجراءات التي اتخذتها البلاد للحد من تفشي كورونا. إلا أن بعض الأهالي يخشون عودة أبنائهم إلى المدرسة على الرغم من الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية، منها تقسيم التلاميذ في كل صف إلى قسمين، والدراسة يوماً بعد يوم لضمان التباعد الجسدي، وتجنب الاكتظاظ، إضافة إلى العودة التدريجية.
في هذا السياق، تقول نسيمة المناعي إن التلاميذ الصغار لا يمكنهم وضع الكمامات، على الرغم من ارتفاع عدد الإصابات بكورونا، مشيرة إلى خشيتها من عودة ابنتها (13 عاماً) إلى صفوف الدراسة. وتأمل تأجيل قرار العودة بعض الوقت إلى حين تحسن الواقع الصحي، لأن الإجراءات المتخذة غير كافية على حدّ قولها، مؤكدة أن "الاختلاط والتقارب بين التلاميذ أمر حتمي مهما أبعدناهم ونصحناهم، وقد يتعقد الأمر ونفقد السيطرة إذا ما انتشرت العدوى بين صفوف التلاميذ وداخل المدارس". تضيف المناعي أن "المدرسين سيكونون في الصفوف الأمامية، وسيختلطون بالتلاميذ، ما يعني أن العدوى قد تنتقل سريعاً. حتى الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية بالتباعد الاجتماعي غير كافية"، موضحة أنها أوصت ابنتها بارتداء الكمامة، إلا أنها ترفض بسبب شعورها بالاختناق. كذلك نصحتها بضرورة استعمال معقم اليدين، إلا أنها قد تنسى أو تتجاهل هذه النصيحة وغيرها. بالتالي، لا يمكن الأهلَ الاتكال على وعي الأطفال. لذلك، تفكر جدياً في عدم ارسال ابنتها إلى حين متابعة الوضع الصحي وتطوراته، إذ تخشى إصابة ابنتها بكورونا.
من جهتها، تقول يسرى، وهي أم لتلميذة (8 سنوات) في المرحلة الابتدائية، إن الأطفال الذين يعانون من مرض مزمن، أو من الحساسية، يجب أن يبقوا في البيوت، لأن مناعتهم ضعيفة، وتعد عودتهم خطراً على صحتهم. أما بقية التلاميذ، فيمكنهم العودة بشرط اتباع إجراءات الوقاية. وتشير إلى خطوات بسيطة، لكن هامة، منها استعمال معقم اليدين وتنظيف المقعد قبل الجلوس عليه، والحفاظ على التباعد الجسدي. وتؤكد أن النظافة سلوك يجب أن يبقى مع التلاميذ، سواء في ظل كورونا أو عدمه، لافتة إلى أن ما يزعجها، أن العديد من المدارس تفتقر إلى النظافة، خصوصاً في دورات المياه نتيجة لغياب عمال/عاملات النظافة ولوازم التنظيف. أمر دفع بعض الأهالي إلى التبرع وشراء المواد اللازمة لتنظيف مدارس أولادهم بأنفسهم، مضيفة أنهم قسموا أنفسهم إلى مجموعات، وتولت كل مجموعة تنظيف المدرسة ودورات المياه مرة في الأسبوع على الأقل من أجل سلامة أبنائهم.
وتؤيد يسرى العودة إلى المدرسة بعد توقف التعليم لفترة من الوقت، قائلة إنه لا مجال لمزيد من التأجيل، ويمكن استئناف الدراسة بشكل عادي. وإذا ما لوحظ انتشار العدوى، يمكن إيقاف الدروس لأسبوع أو أسبوعين. وكل من يصاب يبقى في الحجر الصحي إلى حين شفائه، مع وجوب التخلي عن العطل المدرسية.
أما ابتسام، والدة طفل في الصف الخامس الابتدائي، فترى أن العديد من المدارس والمعاهد التونسية غير جاهزة للعودة. تضيف أن العديد من البلدان المتقدمة، وعلى الرغم من جاهزيتها للتعامل مع الفيروس، واجهت مشاكل عدة وعلّقت الدروس. فماذا بالنسبة إلى أوضاع المدارس التونسية التي لا يوجد فيها صنابير مياه لغسل الأيادي؟ ووصل الأمر إلى سرقة هذه الصنابير من عدد من المدارس، من بينها مدرسة مقرين شاكر في العاصمة تونس، حيث اقتلعت الصنابير، ما دفع الأهالي إلى جمع تبرعات لشراء بعض المعدات. تضيف أن الأهالي عادة ما يراقبون أطفالهم ويدفعونهم إلأى غسل أيديهم وتعقيمها، لكن الوضع مختلف في المدرسة.
وتلفت ابتسام إلى ضرورة أن يكون الأهل واعين. فإذا مرض طفل، يجب إعلام مدير المدرسة لتحديد الإصابة وأخذ الاحتياطات، لا إخفاء الأمر، مؤكدة أنه على الرغم من الطمأنات إلى أن كورونا لا يشكل خطراً على الأطفال، إلا أنه لا بد من الحذر، خصوصاً أن الاصابات إلى ارتفاع مستمر في معظم المحافظات.
وتعارض مريم، والدة تلميذتين في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، العودة المدرسية في هذا الظرف، مشيرة إلى أن العودة في هذا التوقيت محفوفة بالمخاطر، وكان يجب التريث والتأجيل لأسبوعين أو شهر ريثما تتحسن الأوضاع وتكون المدارس أكثر استعداداً، بدلاً من دفع الأقساط وشراء الكتب ثم العودة إلى الإغلاق مجدداً.
إلى ذلك، يقول رئيس جمعية أولياء التلاميذ، رضا الزهروني، لـ"العربي الجديد" إن "حيرة الأهالي طبيعية، وهذا يعود إلى سوء التصرف والإدارة في القطاع التربوي في تونس. فمنذ الإعلان عن وباء كورونا، وفي ظل غياب لقاح ضد الفيروس، كان لا بد من التعايش مع الوباء، ودراسة السيناريوهات الممكنة. لكن للأسف، نتخذ في الوقت الحالي إجراءات الدقائق الأخيرة، أي العودة التدريجية. ولأن هذه الخطوة منطقية للحد من الاكتظاظ، إلا أنّ من غير المنطقي تقسيم التلاميذ والدراسة يوماً بعد يوم، لأن في هذا تلاعباً بمستقبل التلاميذ والبرامج التعليمية".
ويوضح أن الأهالي مهتمون بالجانب الصحي، لكنْ هناك جانب تربوي وتعليمي مهم لا يجب المساس به بعدما فقد التلميذ جزءاً من برنامج العام الماضي، وقد يفقد أيضاً جزءاً آخر من البرنامج الدراسي لهذا العام. ويؤكد أن هذا الأمر لن يكون في مصلحة التلاميذ، وسيكرس مزيداً من الفوارق الطبقية، لأن الفئات الميسورة درّست أبناءها صيفاً، وأتمت برامجهم الدراسية على حسابها الخاص.
ويفيد الزهروني بأن الانعكاسات ستكون كبيرة وخطيرة على المنظومة التربوية، لافتاً إلى أن الشأن التربوي يتطلب خطاباً مسؤولاً وفق استراتيجية وطنية، خصوصاً أنه يهمّ جميع الأطراف. والمهم ليس البحث عن انطلاق السنة الدراسية بل دوامها، والأوضاع تختلف بحسب كل منطقة والمؤسسات التربوية. يضيف أن الحل يكمن في الجانب الميداني، أي إن كل مدرسة تبحث مع الأهل والمجتمع المدني والسلطات المحلية الوضع الخاص بكل منها، وتعمل على اتخاذ الإجراءات اللازمة واقتناء المستلزمات الوقائية غير المتوافرة.