تعالت الأصوات الرافضة افتتاح كليات طبية جديدة في الأردن، وحجة الرفض أنّ سوق المهن الطبية لا يحتمل مزيداً من الخريجين، بل يعاني في الوقت الحالي من بطالة كبيرة، عدا عن اعتبارهم أنّ هذه المشاريع تهدف إلى الربح حصراً
يعتبر خبراء في الأردن أنّ الامتداد الأفقي في التعليم العالي، خصوصاً مع الإعلان عن فتح جامعات طبية جديدة وإخضاع ذلك لمعايير السوق كالربح والخسارة، له مخاطر عدة، خصوصاً أنّ هناك ست جامعات حكومية في المملكة تدرّس الطب، في وقت ترى فيه الحكومة أنّ بدء هذه الجامعات عملها يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح في مجال الاستثمار في التعليم.
وفي الفترة الأخيرة، بدأت المهن الطبية بإرسال المنتسبين إليها إلى صفوف العاطلين من العمل، فوفق أرقام نقابة الأطباء الأردنيين، فإنّ هناك نحو 2000 طبيب عاطل عن العمل ينتظرون التعيين، و2500 طبيب تقريباً يتخرجون سنوياً من الجامعات الأردنية والخارجية. كذلك، حذرت، في وقت سابق، نقابة أطباء الأسنان من ارتفاع نسبة البطالة في هذا القطاع لأعداد غير مسبوقة. وأعلنت نقابة الصيادلة بدورها أنّ نسبة البطالة في صفوف المنتسبين إليها وصلت إلى 30 في المائة.
مجلس الوزراء الأردني قرر، خلال شهر كانون الثاني/يناير الماضي، منح الترخيص المبدئي لإنشاء ثلاث جامعات طبية؛ وهي جامعة "عمون للعلوم الطبية" وجامعة "الأردن الطبية الحديثة" في العاصمة عمان، وجامعة "العقبة للعلوم الطبية" في محافظة العقبة، جنوبي الأردن. وقالت الحكومة الأردنية، على لسان وزير التعليم العالي والبحث العلمي، محيي الدين توق، إنّ الموافقة على منح الترخيص المبدئي لإنشاء الجامعات الثلاث، جاء عقب دراسة مستفيضة من مجلس التعليم العالي ومجلس الوزراء لستة طلبات قُدّمت لإنشاء هذا النوع من الجامعات، مقدراً حجم الاستثمار في إنشاء هذه الجامعات بنحو 300 مليون دينار أردني (423 مليون دولار أميركي)، بما في ذلك إقامة المنشآت والمرافق الخاصة بها، وتجهيز القاعات والمختبرات والمشاغل، ما يسهم في تحريك عدد من القطاعات في السوق الأردني.
وتضمنت شروط الترخيص أن يكون 60 في المائة من المقبولين في هذه الجامعات من الطلاب العرب والأجانب، بما لا يقل عن 360 طالباً سنوياً. وبيّن توق أنّ هذا الأمر سينعكس بشكل إيجابي على العجلة الاقتصادية في الأردن، سواء على المدى المتوسط أو البعيد، كما ستعمل هذه الجامعات على استقطاب كفاءات متميزة من الداخل والخارج.
بدوره، يقول وزير الصحة السابق، الدكتور زيد حمزة، لـ"العربي الجديد": "في تقديري، فإنّ إنشاء جامعات طبية، برأس مال كبير، إغراء تقع فيه الجهات الحكومية، ولقد ثبت أنّ كثيراً من الاستثمارات المالية لا تبحث بشكل أساسي عن مصلحة الوطن بقدر البحث عن الربح، ومصلحة رأس المال نفسه، وهو استثمار من أجل البحث عن مزيد من الأرباح".
يضيف: "في مثل هذا النوع من الاستثمار، ندخل في باب الأرقام، كما يأمرنا البنك الدولي وصندوق النقد، وهو توجه للخصخصة بكلّ معنى الكلمة، لكن لا تستعمل فيه كلمة الخصخصة، التي هي غير مرغوب بها من قبل الناس"، مشيراً إلى أنّ هناك وسائل عديدة للخصخصة، من بينها هذه الطريقة.
يتابع حمزة: "لا أرى ضرورة لترخيص جامعات طبية، خصوصاً أنّ وزراء التعليم العالي السابقين لم يروا ضرورة أيضاً لذلك، طوال أكثر من 15 سنة، وجميعهم فنّدوا هذا الموضوع"، مضيفاً أنّ هذه المشاريع هدفها ليس العلم والصحة، فأصحابها يريدون الاستثمار. ويشير إلى أنّ لهذه الخطوة أخطاراً عدة، ولا تحلّ قضية الطلاب الأردنيين الذين يذهبون إلى الخارج لدراسة الطب، لافتاً إلى أن من يسافرون للدراسة في الخارج غالباً ما تكون معدلاتهم في الثانوية غير مرتفعة، أو أنّهم يبحثون عن دراسة بأقل كلفة في الجامعات الأردنية العاملة. ويقول إنّ الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين لا علاقة لها بهذا الموضوع، فما يجري تقييمه كسوء خدمات هو نتاج لفساد إداري أو مالي، أما الخدمات الطبية فلا علاقة لها بنقص الأطباء، ففي الأردن هناك أطباء اختصاص في كلّ المجالات، كانوا يعملون في وزارة الصحة، لكنّ عدم استمرارهم في وزارة الصحة مرتبط بالرواتب ومستوى الدخل، وهؤلاء الأطباء جرى منعهم من العمل خلال وقتهم الخاص للحصول على مزيد من الدخل. يضيف: "ليس لدينا نقص في أطباء الاختصاص أو الأطباء العامين، ففي الأردن هناك أطباء يعانون من البطالة، وأحذر من مثل هذه الخطوات على النظام الصحي الأردني".
من جانبه، يقول منسق الحملة الوطنية لحقوق الطلاب "ذبحتونا"، فاخر دعاس، لـ"العربي الجديد"، إنّ قرار الموافقة على ترخيص ثلاث جامعات طبية في الأردن، يأتي في الوقت الذي بدأ فيه اختصاص الطب يدخل دائرة البطالة، بعدما جرى تصنيفه من قبل ديوان الخدمة المدنية اختصاصاً مشبعاً، أي لا يحتمل مزيداً من الأطباء، فيما تجاوز اختصاصا طب الأسنان والصيدلة مرحلة الإشباع، ليصبحا اختصاصين راكدين، وفق تصنيف ديوان الخدمة. يضيف أنّ هذا القرار جاء بالتزامن مع قبول قياسي في اختصاصي الطب وطب الأسنان في الجامعات الرسمية للعام الدراسي الحالي، إلى حدّ أنّ وزارة التعليم العالي رفضت الإفصاح عن عدد المقبولين، لما سيحدثه هذا الرقم من صدمة على المستوى الأكاديمي.
يتابع دعاس: "في ظلّ هذه الأجواء، فإنّ ترخيص ثلاث جامعات طبية، على الرغم من وجود ست جامعات رسمية تتولى تدريس الطب، يشير إلى أنّ الحكومة تبحث عن مصادر مالية من دون أدنى تفكير في عواقب قراراتها وانعكاساتها على العملية التعليمية والمهن الطبية وعلى المجتمع بشكل عام".
يقول دعاس إنّ القرار خطير جداً، ولا يمكن تمريره مرور الكرام، خصوصاً أنّه جرى من دون تنسيق مع النقابات الطبية، بل في ظل رفض شديد من قبلها، لما سيحدثه من أثر خطير على مهنة الطب. يوضح أنّ الوصول إلى البطالة في هذه المهنة له انعكاساته الخطيرة على المجتمع ككلّ، كما أنّه سيحمل أثراً سلبياً كبيراً على الخدمة العلاجية التي تقدمها الدولة للمواطنين نتيجة تراجع مستوى الخريجين وغياب البنية التحتية والخدمات اللوجستية التي توفر لهم التعليم والتدريب.
يذكر أنّ لجنة رباعية شكلت بقرار من رئيس الوزراء، برئاسة وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وضمت في عضويتها وزير الصحة، ووزير الدولة للشؤون القانونية ورئيس هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها، رفعت توصياتها الخاصة للحكومة بمنح التراخيص، بعدما فتحت الحكومة منتصف عام 2017، باب القبول لاستقبال طلبات للاستثمار في مجال التعليم الطبي العالي.