لعلّ نهاية القرن العشرين كشفت للجميع أنّ الغرب أقوى في كلّ شيء، سواء في أنظمته الاقتصادية والسياسية أو في ساحات قتاله وغزواته التي يغلفها بطابع تحرير الشعوب. فالواقع التاريخي يؤكد حدث تفكك المنظومة الاشتراكية واتجاه دولها صوب الرأسمالية.
لكن، بعيداً عن الغرب، وأقرب إلى تلك الشعوب المتأثرة به والتي لا تعرف غالباً غير تلك السطوة عليها، من دون أن يكون لها قرار، فهل من المسموح لها، أو المتاح فلنقل - على أساس الموارد والآفاق بعيداً عن نظرية المؤامرة- أن تصل إلى ما وصل إليه الغرب من أسباب عيش "رغيد"، ومجتمعات "تحترم حقوق الإنسان وحريته"، وأنظمة "ترعى التعددية"، و"تكافح التمييز"، و"تدعم القدرات الفردية والإنجازات في مختلف المجالات"؟
لعلّ الإجابة على مثل هذا السؤال الإشكالي، لا يمكن أن تكون -إذا عزلنا مؤامرة أنّ الغرب لا يريد لتلك الشعوب أن تصل إلى ما وصل إليه- في معزل عن موارد تلك الشعوب نفسها وقدراتها، وهي المتأصلة في ثقافتها وأنظمتها التربوية وتراثها الشعبي وأعرافها السياسية التي تتحول إلى دساتير وقوانين محكمة الإغلاق، عصيّة على التغيير في كلّ الأحوال.
ولنفرض أنّ مجتمعاً من المجتمعات المغلوب على أمرها، تمكن من تجاوز مثل تلك العقبات الهائلة، تبقى المشكلة الأعظم أنّه في سيره على سكة التطور في تقليد الغرب في كلّ ما هو سائر فيه، لا ينتبه أنّ الغرب يسبقه أساساً على السكة بنحو أربعمائة عام. فعندما يصل إذا ما وصل، سيبقى الفارق شاسعاً جداً، وستبقى ثنائية التخلف والتقدم هي التي تحكم تطوره.
وبينما يرتضي مجتمع ما لنفسه هذا التقليد والاقتداء بالغرب والارتباط بسكته تلك، فإنّه يُسقط قيماً مولودة في بنية اجتماعية مختلفة على نفسه. وهي قيم قد لا تتناسب بالضرورة مع بنيته. والأسوأ هنا عندما يكون الانتقال غير مكتمل، بل تتضارب فيه منظومتان، فيمسي عندها الأفراد الواقعون تحت ذلك النمط من التقليد محكومين بالنظام المباشر، وضرورة التزام القوانين الرسمية كي لا يواجهوا مشاكل قضائية، وفي الوقت عينه بمنظومة القيم المستوردة، كي لا يُحتسبوا في عداد "المتخلفين حضارياً".
اقــرأ أيضاً
خلاصة القول إنّ بعضهم يلتزم بالتطور، فالانتقال من هنا إلى هناك يحتاج منه المرور في نقاط محددة بالطريقة نفسها أو بما يشبهها إلى أقصى حدّ. لكنّ "الهنا" و"الهناك" محددة سلفاً وتربط من يلتزم بهذا الخط التطوري بهما، فكأنّ ذلك "الهناك" هو ما يجب أن يُسعى دائماً إليه كنقطة مرجعية غربية ثابتة، مهما كان الوضع فيه على غير ما يُصوَّر، ومهما كانت البروباغندا ما زالت تحكم بعقلية الحرب الباردة التي لطالما تغافلت مثلاً عن امتلاء شوارع الولايات المتحدة بالمشردين، في مقابل تغافلها عن امتلاك كلّ مواطن سوفييتي سكنه الخاص كحق ترعاه الدولة.
لكن، بعيداً عن الغرب، وأقرب إلى تلك الشعوب المتأثرة به والتي لا تعرف غالباً غير تلك السطوة عليها، من دون أن يكون لها قرار، فهل من المسموح لها، أو المتاح فلنقل - على أساس الموارد والآفاق بعيداً عن نظرية المؤامرة- أن تصل إلى ما وصل إليه الغرب من أسباب عيش "رغيد"، ومجتمعات "تحترم حقوق الإنسان وحريته"، وأنظمة "ترعى التعددية"، و"تكافح التمييز"، و"تدعم القدرات الفردية والإنجازات في مختلف المجالات"؟
لعلّ الإجابة على مثل هذا السؤال الإشكالي، لا يمكن أن تكون -إذا عزلنا مؤامرة أنّ الغرب لا يريد لتلك الشعوب أن تصل إلى ما وصل إليه- في معزل عن موارد تلك الشعوب نفسها وقدراتها، وهي المتأصلة في ثقافتها وأنظمتها التربوية وتراثها الشعبي وأعرافها السياسية التي تتحول إلى دساتير وقوانين محكمة الإغلاق، عصيّة على التغيير في كلّ الأحوال.
ولنفرض أنّ مجتمعاً من المجتمعات المغلوب على أمرها، تمكن من تجاوز مثل تلك العقبات الهائلة، تبقى المشكلة الأعظم أنّه في سيره على سكة التطور في تقليد الغرب في كلّ ما هو سائر فيه، لا ينتبه أنّ الغرب يسبقه أساساً على السكة بنحو أربعمائة عام. فعندما يصل إذا ما وصل، سيبقى الفارق شاسعاً جداً، وستبقى ثنائية التخلف والتقدم هي التي تحكم تطوره.
وبينما يرتضي مجتمع ما لنفسه هذا التقليد والاقتداء بالغرب والارتباط بسكته تلك، فإنّه يُسقط قيماً مولودة في بنية اجتماعية مختلفة على نفسه. وهي قيم قد لا تتناسب بالضرورة مع بنيته. والأسوأ هنا عندما يكون الانتقال غير مكتمل، بل تتضارب فيه منظومتان، فيمسي عندها الأفراد الواقعون تحت ذلك النمط من التقليد محكومين بالنظام المباشر، وضرورة التزام القوانين الرسمية كي لا يواجهوا مشاكل قضائية، وفي الوقت عينه بمنظومة القيم المستوردة، كي لا يُحتسبوا في عداد "المتخلفين حضارياً".
خلاصة القول إنّ بعضهم يلتزم بالتطور، فالانتقال من هنا إلى هناك يحتاج منه المرور في نقاط محددة بالطريقة نفسها أو بما يشبهها إلى أقصى حدّ. لكنّ "الهنا" و"الهناك" محددة سلفاً وتربط من يلتزم بهذا الخط التطوري بهما، فكأنّ ذلك "الهناك" هو ما يجب أن يُسعى دائماً إليه كنقطة مرجعية غربية ثابتة، مهما كان الوضع فيه على غير ما يُصوَّر، ومهما كانت البروباغندا ما زالت تحكم بعقلية الحرب الباردة التي لطالما تغافلت مثلاً عن امتلاء شوارع الولايات المتحدة بالمشردين، في مقابل تغافلها عن امتلاك كلّ مواطن سوفييتي سكنه الخاص كحق ترعاه الدولة.