مجزرة رابعة: استنفار النظام وقلقه في كل 14 أغسطس

14 اغسطس 2017
من اشتباكات القاهرة عام 2013 (نمير جلال/Getty)
+ الخط -

لا تزال ذكرى مجزرة ميداني "رابعة العدوية" و"النهضة" تلاحق كل من خطّط ونفّذ أو حتى من دعم أو تواطأ بالصمت. وفي كل 14 أغسطس/آب من كل عام، تستنفر كل أجهزة الدولة في مصر خوفاً من أن يحدث شيء ما يدفع الناس دفعاً إلى الشوارع. وهو الأمر الأكثر رعباً بالنسبة للرئيس عبد الفتاح السيسي ونظامه. وهو ما جعل أيضاً كل جهاز من أجهزة الدولة يضع الخطط لمواجهة ذلك الرعب.

وفي السياق، كشفت مصادر تحدثت مع "العربي الجديد" عن أن "وزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، أصدر تعليمات إلى المديريات التابعة لوزارته في القاهرة والمحافظات بمنع صلاة الجمعة الماضية في العديد من المساجد، وذلك مع اقتراب ذكرى مذبحة ميداني رابعة العدوية والنهضة التي وقعت في 14 أغسطس 2013". وأكدت مصادر في أكثر من محافظة أنه "بالفعل تم إغلاق آلاف المساجد التي لا يشرف على إقامة الصلاة فيها إمام معتمَد من قبل وزارة الأوقاف". وأدى القرار إلى حالة من الغضب الشعبي في المحافظات، لا سيما بين المصلين، بعدما كلفت وزارة الأوقاف مديري عموم الأوقاف في المحافظات بمنع صلاة الجمعة في المساجد "المعتمدة" رسمياً من الوزارة والتي ليس بها أئمة أو خطباء معتمدون.

وأكد مصدر داخل وزارة الأوقاف، لـ"العربي الجديد"، أن "وزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، تلقّى تأنيباً شديداً من إحدى الجهات الأمنية نظراً لما اعتبرته تقصيراً من الوزارة في مسألة السيطرة على المساجد"، موضحاً أنه "تلقى ذلك التأنيب واللوم بعد الأحداث التي وقعت في جزيرة الوراق، واتُّهم خلالها إمام مسجد الجزيرة بتحريض الأهالي على مهاجمة قوات الشرطة".

وأضاف المصدر أن "الوزارة تعاني عجزاً شديداً في الأئمة والدعاة، وذلك بالمقارنة بين عدد الأئمة المعينين رسمياً في الأوقاف وعدد مساجد الوزارة في المحافظات"، مشيراً إلى أن "عدد الأئمة المعينين في الوزارة لا يصل إلى 50 ألف إمام، في حين أن عدد المساجد المعتمدة من قبل الأوقاف والتابعة لها في مصر يزيد على 120 ألف مسجد".



ولجأت الأوقاف، في السابق، بهدف سدّ العجز في الأئمة من أجل محاولة السيطرة على المنابر وغلق الأبواب أمام جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين، إلى فتح الباب للاستعانة بخطباء ما يعرف بـ"المكافأة"، ولكن مع تردّي الأوضاع المالية لهؤلاء الخطباء هجروا المنابر. وأكد المصدر أن "خوف الوزارة من هيمنة الإخوان والسلفيين على المنابر، خصوصاً مع حلول الذكرى الرابعة لفض اعتصامي رابعة والنهضة، أدى إلى إغلاق بعض المساجد في أثناء صلاة الجمعة وإعادة فتحها بعد الصلاة". وأضاف أن "وكلاء مديريات الأوقاف طبّقوا قرار منع إقامة صلاة الجمعة في المساجد، التي ليس بها أئمة أو خطباء بالمكافأة، منذ جمعتين سابقتين، وأن إجمالي ما تم غلقه من المساجد في ذلك التوقيت يصل إلى أكثر من عشرة آلاف مسجد على مستوى الجمهورية".

من جانبه، قال وكيل أوقاف الجيزة، الشيخ سلامة عبد الرازق، في تصريحات، إن "هناك تعليمات مشددة بعدم فتح أي مسجد لصلاة الجمعة إلا أن يكون به إمام أو خطيب مكافأة أو أزهري، وأنه في حالة وجود مساجد بلا أئمة أو خطباء مكافأة، ففي هذه الحالة لا تقام شعائر الجمعة بها، حفاظا على المنابر من صعود المتطرفين، ويتم توزيع الأئمة على المساجد المهمة وذات الكثافة السكانية".

وكشفت مصادر لـ"العربي الجديد" أيضاً عن أن "أوامر مشددة صدرت من وزير الداخلية، اللواء مجدي عبد الغفار، إلى مديري الأمن في القاهرة والمحافظات بضرورة المتابعة المستمرة والميدانية على مدار الساعة، وعدم السماح بأي مظهر من مظاهر الاحتجاج أو التظاهر، حتى لو باستخدام الرصاص الحي ضد المحتجين".

في هذا السياق، استمرت جولات مديري الأمن التفقدية بمختلف المواقع الشرطية والمنشآت المهمة والحيوية، لمتابعة انتظام الخدمات وتفعيل الخطط الأمنية التي وضعتها وزارة الداخلية لمواجهة الأحداث الأمنية المحتملة. وواصل مديرو أمن القاهرة، والإسماعيلية، والأقصر، وبني سويف، وسوهاج، والمنيا، وقنا، ومطروح، جولاتهم الميدانية، والتي تفقّدوا خلالها الحالة الأمنية بمختلف المواقع الشرطية في نطاق المديريات والارتكازات ونقاط التفتيش الأمنية والمرورية وكذلك قوات تأمين دور العبادة والمنشآت الحيوية والعامة، للتأكد من انتظام الخدمات وتنفيذ الخطط الأمنية.



وكشف مصدر أمني عن أنه "تمّ توجيه تعليمات لمديريات الأمن وقطاعات وزارة الداخلية، بسرعة الانتهاء من حركة التنقلات الداخلية للضباط، لتنفيذها قبل ذكرى فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، لاستقرار الضباط في أماكنهم الجديدة، وتنفيذ الخطة الأمنية الموضوعة لتأمين الذكرى". ولفت المصدر إلى أن "أي محاولة لارتكاب أعمال عدائية، أو الهجوم على منشآت حيوية أو شرطية خلال ذلك اليوم، ستقابَل بكل قوة وحسم، فرجال الشرطة لن يسمحوا لأحد بترويع المواطنين حتى لو كلفهم ذلك حياتهم".

وأضاف المصدر الأمني أن "وزير الداخلية، اللواء مجدي عبد الغفار، وجّه بتكثيف التواجد الأمني على جميع المنشآت المهمة والحيوية، وكذلك أقسام ومراكز الشرطة في جميع مديريات الأمن، فضلاً عن مضاعفة الخدمات الأمنية المكلفة بتأمين السجون وتسليحها بالأسلحة الثقيلة، لمواجهة أي محاولة للاعتداء عليها وإحباطها في حينها".

وأوضح  المصدر أن "خطة التأمين تشمل تكثيف الخدمات الأمنية في جميع المحافظات على مستوى الجمهورية، ونشْر وحدات التدخل السريع والمجموعات القتالية التابعة لقوات الأمن المركزي والعمليات الخاصة، على الطرق والمحاور الرئيسية لسرعة الانتقال إلى أي بلاغات والتعامل الفوري والحاسم معها". ولفت إلى أنه "تم تكثيف الوجود الأمني على الوزارات السيادية، ومدينة الإنتاج الإعلامي، ومحطات الكهرباء والمياه الرئيسية، وأقسام ومراكز الشرطة ومديريات الأمن في جميع محافظات الجمهورية"، مؤكدًا أن "خطة التأمين يتم تنفيذها بالتنسيق الكامل مع رجال القوات المسلحة".

أما في أجهزة الإعلام المحسوبة مباشرة على السيسي، فإن التعليمات التي صدرت لها من أجهزة الأمن والاستخبارات تتلخص في ضرورة إنتاج مواد عن فض اعتصامي رابعة والنهضة تدعم موقف الدولة. وفي سياق ذلك، عرض الإعلامي مصطفى بكري، المقرب من أجهزة الأمن، خلال برنامجه "حقائق وأسرار"، يوم الخميس الماضي، فيلماً استعرض خلاله "المراحل التي أدت إلى اعتصام رابعة العدوية من قبل الإخوان (من وجهة نظره)"، مؤكداً خروج "أكثر من 33 مليون مصري لعزل الرئيس محمد مرسي"، وتناول الفيلم آراء محسوبين على الدولة وبعض قاطني منطقة رابعة العدوية، الذين زعموا أن المعتصمين في "رابعة العدوية" "لم يكونوا يريدون اعتصاماً سلمياً. وظهر ذلك في تدريبات المعتصمين على استخدام الأسلحة ومحاصرة الميدان بدُشم رملية وحواجز لمنع دخول أو خروج أحد من الميدان"، بحسب الشهادات التي نقلها بكري. وحاول الفيلم إثبات أن جماعة الإخوان كانت "تحرّض ضد مؤسسات الدولة والجيش المصري، وأن الحكومة المصرية قررت فض الاعتصام لما له من مخاطر كثيرة. وأنها حاولت فض الاعتصام بطريقة سلمية، ولكن عناصر الإخوان بادروا باستخدام الحجارة والأسلحة في مواجهة قوات الأمن".