أكثر من 126 قتيلاً ونحو 55 جريحاً هي حصيلة التفجير في منطقة الراشدين في الأطراف الغربية من مدينة حلب، وفق ما أفاد مصدر من الدفاع المدني السوري في المدينة، الذي ضرب تجمّعاً للحافلات التي كانت تقلّ مسلحي وأهالي بلدتي الفوعة وكفريا المواليتين للنظام السوري، ولا تزال الحصيلة مرجحة للارتفاع نتيجة وجود مصابين بجراح خطرة. وذهب معظم المعارضين والمحللين إلى اتهام النظام السوري بالوقوف خلف التفجير كونه المستفيد الأكبر من التفجير في الاستمرار بالدعاية للحرب ضد الإرهاب وإخفاء جرائمه المتكررة بحق الشعب السوري. ودعت المعارضة السورية المسلحة في بيانات منفصلة إلى فتح تحقيق دولي في التفجير وأدانت التفجير واصفة إياه بـ"الجريمة الإرهابية". وذكرت "حركة أحرار الشام" أحد أكبر فصائل المعارضة السورية المسلحة في بيان، أنه "نحن إذ ندين هذا العمل الجبان، نؤكد على أن هذه الجريمة الشنيعة لا تخدم سوى مصلحة النظام الطائفية للتغطية على جرائمه في خان شيخون والغوطة". كما أكدت الحركة أنها فتحت تحقيقاً في الحادثة وأبدت استعدادها للمشاركة في أي تحقيق من قبل المجتمع الدولي.
وفي حديث مع "العربي الجديد" اتّهم مسؤول العلاقات الإعلامية في الجناح السياسي لحركة "أحرار الشام"، عمران محمد النظام السوري بـ"الوقوف وراء العملية، لوجود خلاف بينه وبين الطرف المنفذ للاتفاق وهو حليفته إيران من جهة، إضافة لرغبته في حرف نظر الإعلام عن تغطية ضلوعه في مجزرة الكيميائي التي ارتكبها في خان شيخون".
وذكرت المعطيات التي أوردها إعلام النظام السوري ومن بينها صفحة "دمشق الآن" على موقع "فيسبوك"، أنّ السيارة المفخخة جاءت من بلدة الفوعة لتقوم بتوزيع المواد الغذائية على أهالي البلدتين في منطقة الراشدين.
من جهته، رأى المحلل العسكري، عضو المجلس الأعلى لـ"الجيش السوري الحر" أيمن العاسمي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "النظام غير راضٍ عن اتفاق المدن الأربع، كونه يعني خروج كامل إدلب عن سيطرته وخروج قاعدتين عسكريتين مهمتين في نظره هما الفوعة وكفريا، كان من الممكن أن يكونا نقطة انطلاق لاستعادة مناطق في إدلب".
وحصول التفجير وفق العاسمي كـ"دليل على وجود خلاف كبير بين النظام السوري وحلفائه الذين لطالما دعموه ضد المعارضة، وهو أمر من شأنه إن استمر يجعل النظام يفقد مصداقيته في التعامل مع حلفائه، ويؤكد للسوريين أن هذا النظام يفعل كل شيء من أجل بقائه في السلطة".
وحرم التفجير لقاء أبو حمزة، أحد عناصر الجيش السوري الحر، زوجته وطفلته القادمتين مع المهجرين من بلدة مضايا، حيث التفجير كان أسرع من أبو حمزة الذي قضى مع ستة آخرين من أهالي الزبداني كانوا في انتظار وصول عائلاتهم وفق ما ذكره شهود عيان.
وقال المتطوع في صفوف الدفاع المدني بمضايا، حسن يونس، لـ"العربي الجديد"، إنه "كان من بين المهجّرين المحتجزين في كاراج الراموسة، وعندما علمنا بحدوث التفجير أصبت بحالة لا توصف لا يمكن أن أعبر عنها بالكلام، بات السؤال الوحيد الذي يراودني ما هو مصيرنا، وما هو مصير أخي الذي ينتظرني في المكان الذي حدث فيه التفجير".
وأفاد مدير المكتب الإعلامي لمنظمة الدفاع المدني السوري في حلب إبراهيم الحاج في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "عند وصولنا إلى موقع التفجير كان المنظر مروعاً، وكانت الأشلاء تملأ المكان وبدأ عناصر الإنقاذ بعمليات الإسعاف دون التمييز بين المصاب إذا كان معارضاً أم مؤيّداً". وشهدت ساحة التفجير هلعاً من قبل النساء والأطفال وبادر الإعلاميون المعارضون للنظام السوري إلى إسعاف المصابين من الأطفال والنساء ومسلحي المليشيات من أهالي الفوعة وكفريا ومقاتلي المعارضة المتواجدين في محيط الحافلات.
في هذا السياق بادر ناشطون معارضون للنظام إلى إطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار "الثورة السورية ثورة شعب وليست حرب أهلية أو طائفية"، متهمين النظام السوري بالوقوف خلف جريمة التفجير، مشيرين إلى الفرق بين إعلاميي المعارضة السورية وتعاملهم مع الموقف وبين تعامل الإعلاميين الموالين للنظام. ويلفت مراقبون إلى أنّ عمليات الإسعاف التي تلت الانفجار تكشف عن الناحية الإنسانية للسوريين في ما بينهم بالرغم من سنوات الحرب الطويلة، وأسلوب تعاطي الثورة مع المدنيين بمختلف مللهم وطوائفهم. قبل الانفجار بدقائق، كان هناك عدد كبير من إعلاميي الثورة والناشطين وعناصر المعارضة المسلحة يرافقون قوافل المدنيين من كفريا والفوعة. وبعد الانفجار تحوّل جميع هؤلاء إمّا إلى ضحايا جراء الانفجار، أو مسعفين ساهموا في نقل الأطفال والنساء المصابين إلى النقاط الطبية. يوضح الناشط عبد الرحمن ناصر أنّ عملية الإسعاف كانت واجباً على كلّ من كان موجوداً، وهو واجب إنساني قبل كلّ شيء "بصرف النظر عن الظروف المحيطة فالإنسان لا يستطيع أن يتجرّد من مشاعره". ويلخّص ناشط آخر: "أخلاق الثورة تتطلّب ألا نردّ القبيح بالقبيح".