مجزرة أرحب
وأكدت مصادر محلية وأخرى تابعة للحوثيين، أمس الأربعاء، تمزّق العشرات من الضحايا إلى أشلاء، فيما استمرت فرق الإنقاذ بانتشال جثامينهم لساعات طويلة بعد أن قضوا جراء غارة للتحالف استهدفت "استراحة" (فندق صغير) في منطقة بيت العذري، في مديرية أرحب شمال صنعاء، فجر الأربعاء، بالتزامن مع سلسلة غارات في مناطق متفرقة بأطراف العاصمة.
ونقلت وكالة "أسوشييتد برس" عن شهود أن الفندق الصغير المكون من طابقين انهار بالكامل عقب استهدافه، فيما أشاروا إلى أن غارة أخرى ضربت نقطة تفتيش للحوثيين، على بعد كيلومترات قليلة من الفندق. وفيما أفاد مسؤولون بمقتل ما يقدر بستين شخصاً في الغارات على الأقل، بينهم 35 شخصاً انتشلت جثامينهم من الفندق، أوضح مصدران في "المقاومة الشعبية اليمنية"، الموالية لحكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، أن نحو 20 من مسلحي الحوثي قتلوا، الأربعاء، في غارة جوية شنتها مقاتلات التحالف العربي، في مديرية أرحب، شمال صنعاء.
من جهتها، أشارت مصادر محلية تحدثت مع "العربي الجديد" إلى أن أغلبية الضحايا من المدنيين ومن المزارعين العاملين ببيع نبتة القات المنبهة التي يتناولها قطاع واسع من اليمنيين، إذ كانوا يبيتون في الاستراحة، الواقعة في أحد أطراف العاصمة القريبة من مناطق زراعية، فيما تحدثت مصادر قريبة من القوات الموالية للشرعية والتحالف عن أن الضحايا من المسلحين الحوثيين، غير أنه، وحتى مع افتراض وجود الأخيرين، فإن الاستراحة أغلب روادها من المدنيين، في العادة.
وجاءت مجزرة أرحب بالتزامن مع سلسلة غارات، أفادت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" بأنها استهدفت نقاط تفتيش عسكرية وأمنية للحوثيين وحلفائهم في مداخل صنعاء، إذ قُتل أيضاً ستة أشخاص وأصيب 15 آخرون، في غارات نفّذها التحالف في منطقتي قاع القيضي وريمة حُميد، جنوب صنعاء، كذلك نفذ غارات أخرى نهاراً في منطقة "الصباحة"، حيث المدخل الغربي للعاصمة.
صنعاء بين خيارين
وكانت الغارات قد جاءت بعد ساعات عصيبة تصاعدت خلالها مؤشرات المواجهة بين الحوثيين وحزب صالح، وهو ما أثار جدلاً حول علاقة الغارات بهذه الخلافات من عدمها، وما إذا كانت لخدمة أحد الطرفين، غير أن توسّع الضربات من حيث العدد بدّد التكهنات. ففي مقابل استهداف نقاط تفتيش يُعتقد أنها للحوثيين، امتدت الغارات إلى منطقة ريمة حُميد، والتي يقع فيها المعسكر التدريبي للحراسة الشخصية لصالح، في مديرية سنحان، مسقط رأسه.
وفي وقت متأخرٍ من مساء الثلاثاء وحتى فجر الأربعاء، برزت احتمالات تفجّر المواجهة المسلحة بين حليفي الانقلاب، قبل يوم من الحدث المحوري، والذي تتوجه إليه أنظار اليمنيين والمهتمين بالشأن اليمني، بشكل عام، ممثلاً بالمهرجان الذي يقيمه حزب صالح، اليوم الخميس، في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء، في مقابل دعوة الحوثيين إلى اعتصامات لحشد المسلحين في عدد من مداخل صنعاء، في اليوم نفسه.
وأكد سكان لـ"العربي الجديد" أن منطقة السبعين، جنوب العاصمة، والشوارع المتفرعة منها، تحوّلت أمس الأربعاء إلى منطقة ازدحام، مع توافد أنصار حزب صالح من العديد من المحافظات إلى العاصمة للمشاركة في المهرجان، والذي يثير ريبة الحوثيين، وبدأ الحزب بالتحضير المكثف له منذ نحو شهرين، في حملة تحشيد بدت كما لو أنها ملامح حملة انتخابية. ورداً عليها علّق الحوثيون لافتات في عدد من شوارع العاصمة بأن البلاد ليست في انتخابات وإنما "اقتحامات"، وهي المقولة التي رددها زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، في أكثر من خطاب أخيراً.
وانتشرت أطقم عسكرية وأمنية مسلحة من القوات الموالية لصالح في عدد من الشوارع والتفرعات القريبة منطقة السبعين، في مقابل نشر الحوثيين نقاطاً جديدة في بعض مناطق العاصمة، في حين من المقرّر أن يحتشد أنصار الجماعة في عدد من ميادين الاعتصامات بمداخل صنعاء، اليوم أيضاً، تلبية لدعوة وجهتها الجماعة رسمياً، مطلع الأسبوع الحالي. وقالت الجماعة إنها لدعم "جبهات المواجهات مع الشرعية والتحالف"، لكنها في واقع الأمر جاءت رداً على المهرجان الذي دعا إليه صالح.
وبرزت ملامح احتمال تفجّر مواجهات عسكرية بين الطرفين المسيطرين على صنعاء، بعد أن أصدر الجناح المسلح للحوثيين، والمسمى "اللجان الشعبية"، بياناً في وقتٍ متأخر من مساء الثلاثاء الماضي، شنّ أعنف هجوم على صالح، وحمل تهديداً واضحاً باستهدافه، وتحميله المسؤولية بالقول إن "البادئ أظلم"، وبأنه "المخلوع عن كل شيمة ومروءة وطنية ودين وأعراف وأسلاف"، وذلك، رداً على التصريح الذي أطلقه صالح منذ أيام، ووصف فيه مسلحي الجماعة بـ"الميلشيا".
وفيما أثار التهديد حفيظة أنصار صالح، وبدا مؤشراً قوياً على احتمال اندلاع مواجهة، خرج القيادي في حزب المؤتمر، ياسر العواضي، بتصريح قال فيه إنهم "جاهزون لكل الخيارات"، قبل أن يسحب الحوثيون تهديدهم ضمنياً، بإصدار بيان آخر، لرئيس ما يُسمى بـ"اللجنة الثورية العليا"، محمد علي الحوثي، يتنصل فيه مما ورد في بيان اللجان الشعبي ويدعوها إلى الترفّع عن الأخذ بحقها عبر التنابز.
وفي الوقت الذي تضاربت فيه الأنباء حول ملابسة التراجع المحدود عن التصعيد من الحوثيين ضد صالح خطوة إلى الوراء، أفادت مصادر قريبة من الجماعة بأن زعيمها عبدالملك الحوثي وجّه في اللحظات الأخيرة بالالتزام بالاتفاق الذي أبرمه ممثلون عن الطرفين بإشراف رئيس ما يُسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى"، صالح الصماد، والذي كان قد عقد الثلاثاء اجتماعاً بقيادات أمنية وعسكرية رفيعة وممثلين عن الطرفين لإقرار خطة تأمين مهرجان السبعين وفعاليات الحوثيين في مداخل العاصمة.
وتتوجّه أنظار اليمنيين إلى تطورات صنعاء، بوصفها محورية، بعد أن بدا أن حزب صالح يحاول من خلالها إيصال رسائل مع التحالف أو الاتخاذ منها غطاءً لتصعيد الاحتجاجات ضد حلفائه الحوثيين، ويعتبر الحشد بمثابة أقرب إلى نقطة افتراق رسمية للتحالف بين الطرفين، بعد الحرب التي أعقبت انقلابها عام 2014، ومع بدء التدخل العسكري بقيادة السعودية، والذي كان قد حوّل محافظات عدة في البلاد إلى ساحة حرب شاملة، هي الكبرى في التاريخ اليمني الحديث.
وتُقام التظاهرة في السبعين (أكبر ميادين صنعاء)، بمناسبة الذكرى الـ35 لتأسيس حزب المؤتمر الذي يترأسه صالح، وهو الحزب الحاكم في اليمن أغلب العقود الماضية. وعلى الرغم من إعلان قيادته أن المهرجان يحمل رسائل تتعلّق بالموقف ضد "العدوان"، وبالدعوة إلى "السلام"، إلا أن موقف الحوثيين المتريّب تجاه انعقاد المهرجان على نحو وصل إلى التلويح بمنعه وحشد مسلحي الجماعة لمداخل العاصمة، وغير ذلك من الخطوات والمواقف، جعل من المهرجان انعكاساً لأزمة الطرفين التي ما تزال مرشّحة لجميع الاحتمالات، بما فيها الصدام المسلح.