متطوّعون خارج مراكز اللّجوء

25 مارس 2017
تتعلّمان استخدام الكومبيوتر (Getty)
+ الخط -
منذ بداية توافد اللّاجئين إلى ألمانيا بأعداد كبيرة، أبدى ألمان رغبة كبيرة في مساعدتهم، وتطوّع كثيرون بهدف تسريع دمجهم في المجتمع، وتعريفهم على نواحي الحياة المختلفة في ألمانيا، حتّى يتمكّنون لاحقاً من الاعتماد على أنفسهم. ومع مرور السنوات، قلّ هذا الاندفاع، بعدما قرّر العديد من المتطوّعين التخلّي عن مساعدة اللّاجئين. سابقاً، كان يملأهم الحماس لدعم اللاجئين، خصوصاً أولئك القادمين من الدول التي عانت بسبب الحروب، فلجأوا إلى ألمانيا أملاً في الحصول على حياة آمنة.

في الوقت الحالي، تغيّر المشهد العام بشكل ملحوظ. خفت الترحيب باللاجئين في مجتمع بات يهابهم، الأمر الذي عدّ مشكلة للمتطوّعين الذين ما زالوا ينشطون في مساعدة اللاجئين. هؤلاء أيضاً أصبحوا في مرمى الهجوم بسبب عملهم التطوّعي مع اللاجئين، وقد وصلت إلى العديد منهم رسائل تهديد، وأخرى تتضمن عبارات كراهية، في وقت يُشتم آخرون من قبل النازيين الجدد. وفي مدينة براندنبرغ القريبة من العاصمة برلين، أحرقت سيارة شاب لأنه يهتمّ بمساعدة اللاجئين. وفي مقاطعة سكسونيا، رُشق موظفو جمعية خيرية بالحجارة أمام مخيم لإيواء اللاجئين.

ورغم عدم وجود إحصائيّات رسميّة عن النقص في عدد المتطوّعين في ألمانيا، إلّا أنّه باتت هناك حاجة ماسّة لزيادة عدد المتطوّعين. في الوقت الحالي، تدعو بلديات وجمعيّات عدة المواطنين إلى تقديم المساعدة، لأنّ وجود المتطوّعين يعد أساسيّاً.

ومنذ بداية أزمة اللّاجئين، اهتمّ متطوّعون من مختلف الشرائح العمرية والاجتماعية بدعم مئات آلاف اللاجئين، خصوصاً السوريّين الهاربين من الحرب في وطنهم. لكن هذا الدعم شهد أخيراً تراجعاً كبيراً.



في هذا السياق، تقول المتطوّعة الألمانيّة في أحد مراكز اللّجوء في مدينة كولن، باولا ثيلمان: "لاحظت أنّ بعض المتطوّعين الذين كانوا يأتون للمساعدة قد توقفوا عن المجيء، وربّما يرتبط الأمر بعدم قدرتهم على تقديم المساعدة لوقت طويل بسبب كثرة مشاغلهم". تضيف: "في البداية، كنت أرافق اللاجئين إلى المؤسّسات الرسميّة، وأعلّمهم كيفيّة التنقّل في المدينة، بالإضافة إلى اللغة الألمانية. على مدى عامين، كنت آتي يوميّاً إلى المركز. لاحقاً، أصبح العمل مرهقاً جداً، وبتّ مطالبة بتقديم المساعدة في أوقات لا تناسبني، ولم أعد قادرة على التوفيق بين عملي الرسمي وعملي التطوعي، لذلك قررت الانسحاب".

أما يارون فنتر (35 عاماً)، فهو أحد الذين كانوا ينتظرون اللاجئين في محطات القطار لاستقبالهم وإعطائهم الطعام. بعد ذلك، عمل في أحد مراكز اللجوء. أمّا اليوم، فقد ابتعد كليّاً عن العمل التطوعي في مراكز اللجوء. ويقول: "زاد عدد اللاجئين بشكل كبير، ولم يراعِ بعضهم أن لي حياة خاصة. كانوا يتصلون بي أيضاً حين أكون في المنزل. وفي ساعات متأخرة، يبعثون لي رسائل ويطلبون مني المال. وإذا لم يحصلوا على رد، يغضبون مني". هذه الأمور دفعته إلى عدم الاستمرار في العمل التطوعي.

وكبرت دائرة المتطوّعين المنسحبين من العمل في مراكز اللّجوء، لتشمل أيضاً المترجمين، بحسب مديرة مركز الإيواء في منطقة لونغريش في مدينة كولن، أندرياس شافر. تقول: "كان لدينا مترجمون يتحدثون العربية والألمانية، وكانوا يساعدوننا في التواصل مع اللاجئين في المركز، ويرافقونهم في مواعيدهم مع المحامين، ويساعدونهم في البحث عن سكن، ويساهمون في ترجمة المراسلات الإدارية للّاجئين. إلّا أن تراجع العدد بشكل كبير مع الوقت كان بمثابة مشكلة". وتعزو سبب تراجع المتطوعين من المترجمين، الذين كانوا يتواجدون بشكل دائم في المركز، إلى سعيهم وراء الربح المادي، وبالتالي اختاروا البحث عن وظائف في مكاتب متخصصة.

وتؤكّد شافر أنّ تراجع الحماس لدى المتطوعين الألمان يرتبط أيضاً بزيادة نسبة اللاجئين، فالعمل المرهق ساهم في انخفاض عدد هؤلاء، عدا عن صعوبة التعامل مع اللاجئين في بعض الأحيان.

ولا يمكن تجاهل أحد الأسباب الرئيسيّة لتراجع عدد المتطوعين، وهو الأحداث الإرهابيّة الأخيرة التي شهدتها أوروبا، والتي أقلقت الألمان، حتى المتطوعين منهم. كذلك، تتعرّض مراكز اللجوء من حين إلى آخر لهجمات من قبل النازيين الجدد، على غرار رميها بالحجارة أو حرق المراكز أو التهجم على المتطوعين وضربهم.

المساهمون