عاد جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع فريقه من جولته الخليجية ــ التركية، وهو يجرّ الفشل في محاولته تسويق "صفقة القرن" (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية)، تمهيداً لإعلانها بعد الانتخابات الإسرائيلية (9 إبريل/نيسان المقبل). محاولة لم تثمر، وفي أحسن أحوالها بقيت معلقة، ذلك أن لا المقاربة المعتمدة ولا "المعطيات الراهنة" تسمح بتمريرها، كما قال رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس. خلاصة تحظى بشبه إجماع في واشنطن.
غير أن أمراً ما كان لافتاً، في تزامن زيارة كوشنر مع عودة الحديث في الولايات المتحدة بقوة عن احتمال تزويد السعودية بمفاعلات نووية أميركية للأغراض المدنية. فقبل نحو ثلاثة أسابيع، وعشية زيارة كوشنر، اجتمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض مع مسؤولين في قطاع الصناعة النووية، "لبحث موضوع تزويد السعودية بالتكنولوجيا النووية" مثلما أعلن وقتها. تَزامُن أثار الشكوك في أن ورقة النووي قد وُظِّفت خلال زيارة كوشنر، كمقايضة مغرية لحمل الرياض على الانتقال من موقف "نقبل بما يقبل به الفلسطينيون" إلى موقف عملي "لحمل الفلسطينيين على القبول بما تقبل به المملكة".
في هذا الصدد، قال السناتور الديمقراطي جيف ميركلي: "تكون مفاجأة بالنسبة إليّ إن لم يكن كوشنر قد تحدث مع (ولي العهد السعودي) محمد بن سلمان بشأن المفاعلات النووية". إشارة تحتمل التفسير بأن يكون الموضوع قد طُرح وإنْ لجسّ النبض السعودي. يُذكر في هذا الخصوص أن ترامب سبق له أن قال إنه "لو امتنعت أميركا عن بيع السعودية مفاعلات، فإنها قد تشتريها من دول أخرى"، في تمهيد مبكر لاحتمال حصول الصفقة الأميركية السعودية.
يعود هذا الملف إلى عام 2011، عندما أعلنت المملكة عزمها على شراء 16 مفاعلاً أميركياً بكلفة 80 مليار دولار، لغرض إنتاج الطاقة بدلاً من استخدام النفط. وكان واضحاً، وِفق تصريحات ولي العهد السعودي لاحقاً، أن هذا المشروع يؤسس لتوازن نووي مستقبلي مع إيران إذا امتلكت هذه الأخيرة القنبلة النووية.
بحسب قانون الطاقة النووية الأميركي، ينبغي في هذه الحالة عقد اتفاق نووي مع السعودية ثم إحالته إلى الكونغرس للموافقة، على أن يصبح سارياً ما لم يرفضه الكونغرس خلال 90 يوماً. بالإضافة إلى ذلك، على السعودية العمل ببروتوكول وكالة الطاقة الذرية الدولية الذي يمنح هذه الأخيرة الحقّ بتفتيش المنشآت النووية للتأكد من أنها تُستخدم لأغراض مدنية. بهذه الشروط، عقدت أميركا 23 اتفاقاً دولياً من هذا النوع. وسبق أن بادرت مجموعة من كبار المسؤولين في إدارة ترامب منذ بداية عهده إلى الترويج للمشروع من خارج هذه الشروط. لم يكن هناك اتفاق نووي وفقاً للقانون ولا جرى إبلاغ الكونغرس به. بل لم يحصل تشاور آنذاك حتى مع الجهات الأميركية المعنية، مثل وزارة الطاقة واللجنة التنظيمية للشؤون النووية. وكان المطروح عن طريق هذه المجموعة أن يتمّ بيع السعودية 40 مفاعلاً. كان من رموز المجموعة الجنرال المتقاعد مايكل كلين، الذي شغل منصب مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، ثمّ تمّت إقالته قبل أن ينهي الشهر الأول في منصبه، لأسباب تتعلق بالتحقيقات الروسية في شأن انتخابات الرئاسة الأميركية، التي أُجريَت في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
بعد انفجار التوتر مع السعودية، إثر قتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، توالت مشاريع القوانين في الكونغرس لمعاقبة المملكة، ومنها واحد برعاية ديمقراطية جمهورية مشتركة، لمنع تزويدها بالتكنولوجيا النووية. وما زاد من توسع الاعتراض أن الرياض تريد إنتاج الوقود النووي الخاص، بدل شرائه وبسعر أقلّ من الخارج. الأمر الذي عزّز الشكوك في لحظة صار الحديث الأميركي عن السعودية مثار جدل واسع في واشنطن، فضلاً عن كونه موضوعاً خلافياً كبيراً، مهما كان عنوانه. ازداد التوجس وصارت الحساسية الأميركية من "الشريك" السعودي أكثر من السابق ومعها تكاثرت تعبيرات النفور والرفض للممارسات السعودية، تحديداً في الكونغرس، من جراء تمادي التجاوزات الإنسانية والمدنية في حرب السعودية باليمن وحصار قطر واحتجاز رئيس وزراء لبنان سعد الحريري. تراكمات هزّت العلاقات، قبل جريمة قتل جمال خاشقجي التي فاقمت النقمة ضد الرياض.
على هذه الخلفية، وفي ضوء الاحتقان الحاصل تجاه الرياض حالياً في الكونغرس والإعلام، بل في واشنطن عموماً، ما عدا الأجواء داخل أروقة الإدارة، بات من الصعب تصور حصول موافقة مجلسي النواب والشيوخ على مشروع من هذا النوع، حتى لو كانت فيه مقايضة، سواء سعى إليها كوشنر أم لم يفعل.