ماكرون يواجه منتقديه وانهيار شعبيته: سأواصل الإصلاحات ولن أغيّر سياستي

30 سبتمبر 2018
ماكرون يسعى لطمأنة الفرنسيين (اليوت بلوندي/ فرانس برس)
+ الخط -



كل استطلاعات الرأي في فرنسا، خلال الفترة الأخيرة، ليست في صالح الرئيس إيمانويل ماكرون، على الرغم من بعض الإجراءات الأخيرة، والتي تهم قطاعات شعبية، ومنها قانون مكافحة الفقر، والالتفاتة التي خص بها 300 ألف من المتقاعدين، وأيضاً التخلص التدريجي من الضريبة على السكن.


ووصلت شعبية ماكرون إلى أدنى مستوى لها، وهي تقترب من نفس مستواها لدى سلفه، فرانسوا هولاند، بعد سنته الأولى في قصر الإليزيه.
وليس غريباً قراره الابتعاد عن العاصمة باريس، التي بدأها في زيارة الأمم المتحدة ثم جولاته في عدة أقاليم من فرنسا ما وراء البحار وبعدها جولات في عدة مدن فرنسية، حتى يثبت أنه ليس سجين القصر، وأنه ليس "رئيس الأثرياء"، الصفة التي أصبحت لصيقة به، وبالتالي فهو يحرص على اللقاء بالفرنسيين لسماع مشاكلهم وهمومهم، ثم اقتراح بعض الحلول لتحسين ظروفهم وظروف فرنسا في الاتحاد الأوروبي والعالَم.

وقد خصّ الرئيس صحيفة "لوجورنال دي ديمانش" المقربة منه، اليوم الأحد، بتصريحات تشبه اعترافات، وفيها بعض الردود على انتقادات ومؤاخذات من قبل العديد من بينهم بعض المقربين منه، كوزير الداخلية، جيرار كولومب، الذي انفلتت من فمه، قبل أن يعلن قرب استقالته وانخراطه في الانتخابات البلدية القادمة.

ومن جملة ما جاء في تصريحاته: "إن ما ينقص الحكومة هو التواضع"،  و"الإليزيه يعزل (عن الناس)، بطبيعته"، واعترافات من نوع: "أنا سعيد أن أكون مع الناس. أحب الاتصال كثيرا، وأن أكون بينهم. وأنا سعيدٌ أن أسمعهم يعالجون مشاكل اليومي".

وشدد ماكرون على أنه يحب، بشكل عميق: "قضاء الوقت مع مواطنيَّ، وسماع تفسيرهم لمظاهر قلقهم ونفاد صبرهم، ولهذا السبب انخرطتُ في السياسة. وأنا أحمل رؤية، ومشروعا من أجل بلدنا، ولكني أريد أن أقنع، وأحبّ أن أكون هنا، معهم".


من جهة أخرى أكد الرئيس الفرنسي أنه لن يغيّر، بأية حال من الأحوال، من سياسته: "لقد التزمتُ بالانخراط في إحداث تغييرات، تجنَّبَها بلدي، منذ عقود، سواء بسبب مناورات صغيرة لليمين واليسار، أو بسبب الجُبن، صغيرا أو كبيرا"، ثم استدرك بالقول إن "الإصلاحات لم تكن أبدا سهلة". وسخر من كل الأصوات التي تنذره بفشل هذه الإصلاحات: "لقد نجحنا، لأن هذا ما كان يأمُلُه البَلدُ"، و"أولويتَنَا ليست الديمومة، بل هي العمل".

وتعهّد ماكرون، الذي يعاني من انهيار في شعبيته، بمواصلة الإصلاحات الموعودة والتغييرات العميقة للبلد، ومنها إصلاح التأمين ضد البطالة، وإعادة تأسيس نظام الصحة، وإصلاح الوظيفة العمومية وقطاع الطاقة، وغيرها من المواضيع التي تشغل الرأي العام الفرنسي.

كما وَعد ماكرون باتخاذ قرارات هامة حول الديانات، ومن بينها الإسلام، وتنظيم الشأن الديني، ومجالات أخرى، منها نظام التقاعد وقضية الأشخاص الذين يتواجدون في وضعية هشة ويحتاجون للرعاية.

كما سخر الرئيس  -في غمز من قناة هولاند- من سياسيين فرنسيين سابقين، استسلموا أمام تأخر نتائج الإصلاحات: "ولكني لن أستسلم أمام السهولة". وأظهر الرئيس الفرنسي ثبات جأش، في مواجهة استطلاعات الرأي السيئة: "البيداغوجيا هي شرط العمل"، وشرح طريقته: "لقد طلبنا (من الفرنسيين) بذل الكثير من المجهودات، وفتحنا كثيراً من الورش، وأحياناً لم يتحسن، بعدُ، الوضعُ اليومي لمواطنينا. وأنا واعٍ جدا للأمر. وأنا أريد أن يتغير الوضع اليوميّ سريعاً وأعمل من أجل هذا، ولكن نتائج الكثير من الإصلاحات تحتاج لبعض وقت".

ورد الرئيس ماكرون على من يريدون منه رؤية تحسّن سريع للقدرة الشرائية: "بطبيعة الحال، لديَّ تأثر بإشكالية القوة الشرائية. ولكني لم ألتزم بهذا الأمر. لقد قدّمتُ التزامات حول الشغل، وحول الاستحقاق. وإن دوري هو التذكير بهذا الاتجاه".

وزاد موضحا: "السياسة التي أقودها، لا يمكن فقط اتباعُها من أجل نهاية الشهر. السؤالُ الذي أطرحه على نفسي، كل صباح، هو كيف يمكن تحسين الحياة اليومية لمواطنينا، ولكن أيضاً، حول السكة التي سنَضَع عليها البلدَ في عشر سنوات، وفي خمس عشرة سنة".


ويعرف الرئيس أن خمس سنوات غير كافية لإحداث إصلاحات في فرنسا: "لدي طموح من أجل بلدنا، ولن ينفد صبري إلى آخر ثانية".

وطرح الرئيس ماكرون بعض مشاريعه للمرحلة القادمة، ومنها الانتخابات الأوروبية، حيث قال: "سأبذل قصارى جهودي حتى يُسمَعَ صوتُ التقدميين والديمقراطيين وأيضاً الذين أحمل أصواتهم"، دون أن ينسى رغبته في "أوسع قائمة انتخابية ممكنة"، وهو ما يفهم منه انفتاحه على وجوه كثيرة، أغلبها قادمة من اليمين الفرنسي.

وشدد الرئيس ماكرون على أهمية الحملة من أجل الانتخابات الأوروبية، التي هي "حملة من أجل أوروبا الطموح والمستقبل، أوروبا الديمقراطيين والتقدميين". كما رأى فيها: "نضالا حضاريا وتاريخيا"، وتعهد بعدم الاستسلام أمام المتطرفين.

وفي مواجهة اتهامات اليمين وبعض اليسار الراديكالي، بمحو فرنسا أمام أوروبا، يؤكد ماكرون بكلمات لا لُبس فيها: "أُومِن بعودة الشعوب. فلستُ مُغالياً في نزوعي الأوروبي ولست من أجل عولمة متحررة. أُومِن بالهوية القوية لكل شعب، كما أُومِن بتاريخ وطموح شعبنا. وأريد أن أقنعه بأن أوروبا، هي ما يرافقه وما يحميه". وفي جملة، تثير المزيد من الذهول ومن السخرية، أضاف ماكرون: "أريد طيّ صفحة أوروبا المتطرفة في الليبرالية".


ومثل سائر البشر، اعترف الرئيس ماكرون بأنه "لا يمكن تجنب الوقوع في الخطأ"، وشدّد على "وجوب تصحيح الخطأ"، لكنه حذّر من التركيز على مناقشة مواضيعَ يَعتَبِرُها مجرد إكسسوارات. وطالَب منتقديه أن يُحاكِموا فقط "قدرته على تقديم أجوبة للمشاكل اليومية للفرنسيين، والحفاظ على الاتجاه التاريخي لبلدنا".