بالرغم من أن دوائر الإليزيه سرّبت قبل العشاء السنوي الـ34 للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، أن الرئيس إيمانويل ماكرون لن يقدم إعلانات جديدة خارج ما وعد به قبل يوم من إجراءات وسنّ قوانين من أجل مكافحة معاداة السامية، أمام المقبرة اليهودية التي تعرضت للتدنيس في الألزاس، إلّا أن ماكرون وجد نفسَه يلقي خطاباً عاطفياً حظي بتصفيق الحضور، بل إنه حتى انزلق أكثر في ملامسة ميادين ملتبسة، خاصة معاداة الصهيونية، وذلك نتيجةً تعرضه لضغوطٍ معلنة، عبّر عنها في معظم وسائل الإعلام ممثلون لهذا المجلس، الذي يمتلك تأثيراً كبيراً على الفاعلين السياسيين الفرنسيين، رغم إنكاره لعب دور "اللوبي".
وإذا كان قد سبق لماكرون أن انتقد معاداة الصهيونية، كما فعل رئيس الحكومة الاشتراكي الأسبق مانويل فالس، وسياسيون فرنسيون آخرون من أحزاب مختلفة، إلا أنه الرئيس الفرنسي أفصح في خطاب أمس، وفي ما شكل هدية لمضيفيه، الذين صفقوا بحرارة كبيرة، عن تعريف جديد لمعاداة السامية، وعن إجراءات سيتمّ اتخاذُها في المدارس وعبر شبكة الإنترنت، وسيقدَّم مشروع قانون بصددها في بداية شهر مايو/أيار المقبل.
وجديد هذا التحديد الجديد، هو إدماج معاداة الصهيونية في تعريف معاداة السامية. وقال ماكرون أمام جمهور متلهف للمزيد من التنازلات، إن فرنسا "ستطبّق تعريف معاداة السامية الذي تبنّاه التحالُف الدولي من أجل ذكرى المحرقة"، وهو تعريف يدرج ضمنه معاداة الصهيونية، مضيفاً أن "معاداة الصهيونية هي إحدى الأشكال الحديثة لمعاداة السامية".
ولا يُخفي تعريف "التحالف الدولي لذكرى المحرقة" النزعة لخدمة دولة الاحتلال الإسرائيلي، فهو يقول بشكل ملتبس إن "التعبير عن معاداة السامية يمكن أن يستهدف دولة إسرائيل، التي يُنظر إليها باعتبارها مجموعة يهودية. إلا أن انتقاد دولة إسرائيل الذي يُعبَّر عنه بذات طريقة انتقاد أي دولة أخرى، لا يمكن اعتباره معاداةً للسامية".
ولأنّ الرئيس الفرنسي، الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع دولة الاحتلال، التي أطلق معها "سنة إسرائيل في فرنسا" رغم اعتراض شعبي كبير، يدرك حساسية الموضوع، فقد استبق الأمور بالتأكيد على أنه لن يتم تغيير القانون الجنائي.
تجدر الإشارة إلى أن ماكرون كان قد اعترض، يوم الثلاثاء الماضي، على حماسة أبداها نواب من أغلبيته، يتزعمهم البرلماني سيلفان مايار، المقرب من الدوائر اليهودية والصهيونية، ومعهم نواب آخَرون من اليمين، بخصوص إقرار قانون جديد يُعاقب معاداة الصهيونية، بذات درجة معاقبة معاداة السامية. وقال ماكرون: "لا أعتقد بأن معاقبة معاداة الصهيونية حلٌّ جيد"، قبل أن يخلص إلى الرد إنه "التربية والتكوين".
ومن كان يتصور أن الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي هو أفضل رئيس فرنسي موال لإسرائيل، بسبب دعمه القوي لإسرائيل وأمنها، وهو ما عبرت عنه السلطات الإسرائيلية بطبع صورته، في سابقة تاريخية، على طابع بريدي إسرائيلي، سرعان ما خاب ظنهم، عندما رأوا الرئيس السابق فرانسوا هولاند يعلن عن تضامنه مع إسرائيل وهي تجتاح غزة، ثم حين شاهدوا مشاهد مسربة له وهو يغني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "الحياة وردية"، ليخيب ظنهم، من جديد، وهم يرون الرئيس الفرنسي الحالي يستقبل نتنياهو في فرنسا، أكثر من مرة، دون إعارة أي انتباه لجرائم حصار غزة ورفضه للسلام مع الفلسطينيين.
وها هو ماكرون الآن يقترب من المنطقة المحرمة، "معاداة الصهيونية"، فإلى متى ستصمد، قبل أن يُعاقَبَ المواطن الفرنسي لمجرد أنه يمقُت الصهيونية، أو لأنه لا يعترف بأن دولة الاحتلال هي دولة مثل فرنسا وألمانيا، كما تفتقت عبقرية نائب صهيوني فرنسي متحمس لسنّ قانون يُعاقب جُرْمَ معاداة الصهيونية.