مؤشرات مقلقة للواقع الأكاديمي المصري

30 أكتوبر 2014
يمكن تلمس النزيف المستمر للكفاءات من مصر إلى خارجها(الأناضول)
+ الخط -

كانت مصر وعلى امتداد فترات زمنية طويلة تعد منارة للتعليم في الشرق الأوسط والعالم العربي، سواء من حيث مساهمتها في بناء الجامعات والمؤسسات العلمية في المنطقة، بالدعم المادي والمعرفي وبالخبرات. أو من ناحية من تتلمذ على يد أساتذتها، وهم كثيرون من مشاهير ورموز المنطقة وقادتها وشخصياتها الفاعلة.

كما قدمت جامعات مصر للعالم نخبة من العلماء في مختلف المجالات. إلا أن العديد من المؤشرات الأكاديمية العالمية توضح مستوى المؤسسات العلمية والجامعات، تشير إلى تراجع مكانة ومستوى الجامعات المصرية. وكذلك في السياق نفسه، يمكن تلمس النزيف المستمر للكفاءات من مصر إلى خارجها، أي هجرة العقول، بفعل الظروف السياسية التي تمر فيها مصر بشكل عام منذ انقلاب العسكر على ثورتها، وكذلك ظروف كوادر الجامعات، وما يعانونه من ضعف في مستوى الدخل، دون إغفال عامل التضييق السياسي بعد عودة العسكر إلى الحكم في مصر.

وأظهرت نتائج "التصنيف الأكاديمي لجامعات العالم لعام 2014 " والمعروف اختصارا بـ(ARWU)، وهو ترتيب يصدر عن مركز بحث الجامعات العالية العالمية التابع لجامعة شنغهاي في الصين، ويعرف أيضا "بتقييم شنغهاي"، تأخر ترتيب جامعة القاهرة ست درجات عن موقعها في الترتيب ذاته العام الماضي، حيث حصلت على المركز 410 عالميا، بينما كانت في المركز 404 خلال العام 2013. وفي الإطار الإقليمي، ولكي نعرف أين نحن وأين نقيضنا، حازت إسرائيل على 6 مراكز ضمن هذا التصنيف، تتصدرها الجامعة العبرية في القدس المحتلة، في المركز 70.

وفي تصنيف سنوي آخر، تقوم به المجلة البريطانية "تايمز للتعليم العالي"، وهو تصنيف يشمل أفضل 400 جامعة عالمية، غابت مصر عن الصورة كليا، بينما تصدرت جامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا قائمة الدول الأفريقية في المركز 124 عالميا.

وكلما بدأ الحديث عن مشاكل البحث العلمي في مصر، تصدرت مشاكل "الدعم المادي" الصورة. وكأن زيادة الميزانية المخصصة للبحث العلمي هي العصا السحرية لإصلاح كل الإشكالات والعقبات أمام البحث العلمي ومستقبل تطويره. مع أن زيادة نسبة الدعم المادي هي إحدى الخطوات المهمة، حيث يتوقع أن تصل إلى 1% من الموازنة العامة، إلا أن الكثير من الإشكالات في الإدارة والتنظيم تستحق النظر، والكثير من الاستراتيجيات المتبعة بحاجة إلى تغيير ملح وجذري.

إن غياب الأبحاث العلمية الجادة والمتخصصة، هو أيضا عائق كبير، حيث أصبحت أغلب الأبحاث في الجامعات تتم بهدف تحصيل ترقيات لأعضاء هيئة التدريس، وحيازة مرتبات أو مكافآت مالية، من ثم توضع على الرف ليطويها النسيان، في ظل غياب انتقاء وتوظيف حقيقيان للكفاءات.

ترتكز مشاكل المناهج الأكاديمية في مصر على جانبين، أولها " التطوير"، على الرغم من أن المناهج تمر بتحديث كل ثلاث أو خمس سنوات، إلا أن المعلومات والأبحاث المضافة لا تقدم للطلبة بطريقة حديثة ونقدية، والحل ما زال يكمن في وضع استراتيجية تعليمية ترقى بمستوى الطالب معرفيا ونقديا، لتصنع منه باحثا قادرا على المشاركة والإسهام في المسؤوليات العلمية تجاه مجتمعه وما تطلبه مشاكل هذا المجتمع والعقبات التي يواجهها من حلول.

والعائق الثاني، وهو الأكبر، يكمن في الفجوة بين المناهج التعليمية وما يتطلبه سوق العمل، حيث تواجه تلك المشكلة أغلب الخريجين من الجامعات المصرية، ليتخرج الطالب من الجامعة مصطدما بمتطلبات ومهارات لم يعلم بها أثناء دراسته.

هذه مجرد مؤشرات سريعة وعامة على أبرز تحديات الواقع العلمي الأكاديمي مصريا، في ظل وقت ينصب فيه اهتمام السلطة على قمع الطلبة ومراقبتهم وضبط تحركاتهم، داخل الجامعة كما خارجها.

المساهمون