لَمْ أَكُنْ مُحَارِباً

11 مايو 2018
(الشاعر)
+ الخط -

لَمْ أَكُنْ مُحَارِباً
وَأَكْتَافِي لَمْ تَعْرِفْ نَيَاشِينَ النَّصْر
لَمْ أَحْمِلْ بُنْدُقِيَّةَ عَلَى كَتِفِي
وَلَمْ تَمْسَسْ يَدِي قُنْبُلَةً وَاحِدَة مُنْذُ نُعُومَةِ كُلِ الْحُرُوب
وَلَمْ أُصَافِحَ جُثَّةَ جُنْدِيٍّ تَرَكَ رِسَالَةَ أَسَفٍ
لِزَوْجَةٍ مَازَالَتْ تُحِيكُ انِتِظَارَهَا عَلَى إِيقَاعِ الْأَمَل
أَنَا مُحَارِبٌ فِي مَعَارِكِ الْحَيَاة
أُعْلِنُ الْحُرُوبَ عَلَى السَّأَمِ الرَّابِضِ فِي عُيُونِ الْأَطْفَالِ
وَعَلَى شُرُفَاتِ مُدُنٍ غَارِقَةٍ فِي رَتَابَةِ الْمَلَل
أَقْتَنِي كُلَّ مَسَاءٍ مِنْ رَصِيفِ الْحَيَاةِ
كُتُباً شَاخَتْ فِيهَا كَلِمَاتُ الْخَيَال
رِوَايَاتٍ تَطْرُدُ الشَّخْصِيَاتِ إِلَى الشَّارِعِ الْعَامِّ
الْأَحْدَاثَ إِلَى الْمَقَاهِي الْمَزْرُوعَةِ أَلْغَاماً فِي وَجْهِ
الـتّائِهِينَ عَنِ الطّرِيق
الْعَاطِلِينَ عَنِ الْحَيَاة
وَتَفْتَحُ أَغْلِفَتَهَا لِرِيحِ النِّسْيَان
وَأَحْمِلُنِي كَجُنْدِيٍّ عَائِدٍ مِنْ حَرْبٍ مُدَجَّجٍ بِرَوَائِحِ الْأَنِين
بِأُغْنِيَاتِ الْجُنُودِ الَّتِي أَتْرَكَهَا تَنْزِفُ حَنِينَ الْأَبْوَابِ
بِوَجَعِ النَّازِحِينَ صَوْبَ الْعَرَاء
تَتْبَعُهُمْ مَوَاوِيلُ الذِّكْرَيَاتِ الَّتِي أَوْدَعُوهَا فِي نَحِيبِ النَّايَات
وَخَبَّأُوهَا فِي حَقَائِبِ الْقَلْب
أَعُدُّ أَعْطَابِي
خَرَائِطِي الَّتِي مَزَّقْتُهَا سَهْواً إِثْرَ غَارَاتٍ مُفَاجِئَةٍ مِنَ الْحَيَاة
لِأَنِّ قَدَمِي لَمْ تَفْتَحْ جُغْرَافِيَاتٍ جَدِيدَة
وَلَمْ أَسْتَوْلِ عَلَى خَزَائِنِ السَّبَايَا
وَكُنُوزِ ذَاتِ الْحَظْوَة
بِقَدْرِ مَا سَاخَتْ فِي كَوَامِنِي شَظَايَا الْخَيْبَات
وَانْتَفَضَ فِي الشَّرَايِينِ وَجَعُ الْأَسْلَاف
أَنَا الَّذِي لَمْ أَرِثْ سِوَى بِضْعِ شُمُوسٍ مِنْ سَمَاءِ الظَّهِيرَة
وَبَعْضِ الْأُغْنِيَاتِ مِنْ كَمَنْجَاتٍ تَنْزِفُ بِآلَامِ الْعَشِيرَة

■ ■ ■

لَمْ أَكُنْ مُحَارِباً
لَكِنِّي جُنْدِيٌّ ضَلِيعُ فِي حُرُوبِ الْحَيَاة
أَعْرِفُ أَنِّ رَصِيدِي مِنَ الْمُنَاوَرَاتِ وَفِيرٌ:
أُخَاتِلُ بَقَّالَ الْحَيِّ
أُقَامِرُ عَلَى رِهَانَاتٍ خَاسِرَةٍ نِهَايَةَ الشَّهْرِ
أَخْتِلِسُ شَهْوَةَ الْبَطْنِ عِندَ الْجَزَّار
اَبْتَسِمُ فِي وَجْهِ بَائِعَةِ الْخُبْزِ نِكَايَةً
فِي احْتِجَاجِ أَمْعَائِي الطَّائِشَة
أَسُّلَّ سَيْفَ الْأَعْذَارِ ضِدَّ نَوائِبِ السُّؤَال
أُصَافِحُ جُيُوبِي الْمَثْقُوبَةَ بِأَرِيحِيَّةِ الْعَبَث
وَأُلْقِي وُرُودَ النَّدَمِ عَلَى عَرَبَاتِ الْجُنُودِ
الْمَعْطُوبِينَ فِي حَرُوبِ الْمُلُوك
أَنَا الشَّهِيدُ الشَّاهِدُ الشَّهْدُ
عَسَلِي مُرُّ
وَشُهُودِي لَيْلٌ يَتَرَبَّعُ عَرْشَ أَسْلَافِي
وَشَاهِدِي ظِلٌّ يَسْتَلْقِي تَحْتَ شَجَرَةِ عَارِيَةٍ
مِنَ الْهَدِيل
وَلَا طَرِيقَ لِي
الْمَدَى يَقِظُ الْحَوَاسِّ
رَفِيقُ طَيْفِ الْقَوَافِلِ السَّابِحَةِ فِي سَرَابِ التِّيه
أَنَا الْأَعْزَلُ مِنِّي
أَتْلُو رَسَائِلَ الْحَنِين
أَخْبِطُ الْأَرْضَ بِطَيْشِ خَطْوِي
أُحَرِّضُ الذِّكْرَيَاتِ عَلَى بُيُوتٍ نَسِيَتْ شَغَبَ الْمَفَاتِيح
أَنْفَاسَ أُمَّهَاتٍ يُضِئْنَ وَحْشَةَ السُّقُوفِ بِقَنَدِيلِ الْفَرَح
وَأَسْتَسْلِمُ كَأَسِيرِ حَرْبِ لِغَارَاتِ الْحَيَاة

■ ■ ■

لَمْ أَكُنْ مُحَارِباً
وَلَيْسَ لِي دِرَايَةٌ بِالْخُطَطِ الْحَرْبِيَة
وَلَا أَفْقَهُ فِي سِيرَةِ الْجَبَهَاتِ
وَلَا أَحْلُمُ بِغَنَائِمِ الْحَرْبِ
وَلَا بِجُغْرَافِيَّاتٍ خَارِجَ جَسَدِي
هَذَا الْجَسَدُ الْغَارِقُ فِي مَشِيئَةِ الشَّكّ
أُنَقِّبُ عَنْ غُيُومِ الْيَقِينِ فِي سَمَاءِ الْعُزْلَات
أَحْرُسُ الرَّبِيعَ مِنْ خَرِيفٍ قَادِمٍ مِنْ أَقْصَى الْغُرُوب
أُجَاوِرُ زَفَرَاتِ الْأَرْضِ حِينَ يَسْتَبِدُّ بِهَا عَطَشُ الْغَيْم
أُطَوِّقُ الْحَيَاةَ بِجَذَلِ الْخَطَاطِيفِ نِكَايَة فِي لَعْلَعَةِ الرَّصَاص
وَأَحْتَاطُ مِنْ أَلْغَامِ الْحَيْرَة
أَنَا الْحَائِرُ الْحَربِيُّ الْحَزِينُ الْحَاذِقُ
أُصَوِّبُ مَدَافِعَ الْمَحَبَّةِ جِهَةَ الْمَوْتِ
وَأُسَدِّدُ مَشَاتِلَ الْوَرْدِ مَكِيدَةً فِي الْخَرَاب

■ ■ ■

لَمْ أَكُنْ مُحَارِباً
كُنْتُ كَمَا أَنَا
بَارِعاً فِي تَصْفِيَّةِ الْأَعْدَاءِ
أُصَادِقُ الْفَرَاشَاتِ فِي مَقْبَرَةِ الْعَشِيرَة
أُقِيمُ فِي عُزْلَةِ الْغِيَابِ
وَأَنْفُخُ نَايَ حُرْقَتِي بِلَوْعَةِ الْمُحِبِّين
أَطِيرُ بِخَيَالِي إِلَى غُرَفٍ مُضَوَّعَةٍ بِسِرِّ الْجَدَّات
بِأُغْنِيَّاتِ النِّسَاءِ السَّابِحَاتِ فِي مَلَكُوتِ الصَّمْت
النَّائِمَاتِ عَلَى وَجَعِ الِانْتِظَار
وَأُعَانِقُ رِحْلَةَ الْعَصَافِيرِ نَاحِيَةَ الفِجَاج
حَيْثُ اللَّهُ يَسْكُبُ هَيْبَتَهُ عَلَى وَحْشَةِ الْجِبَال
أُصْغِي لِإِيقَاعِ الْمَاءِ وَهُوَ يَعُودُ إَلَى رَحِمِ الْبِدَايَات
وَأَقْذِفُ الْأُفْقَ بِغُيُومِ تَحْرُثُ الْأَرْضَ
وَتَنْتَظِرُ الْحَيَاةَ بِسَعَةِ الْحَيَاة

■ ■ ■

لَمْ أَكُنْ مُحَارِباً
كُنْتُ أَسِيرَ الْجُغْرَافِيَا
أَطْوِي الْأَحْرَاشَ بِإِرَادَةِ الْمَشِيئَة
وَأَقْطَعُ الْجِبَالَ بِحِبَالِ الصَّاعِدِينَ الْمَوْت
أَنَا الْجُنْدِيُّ الْفَارِغُ مِنْ ذَخِيرَة الرَّصَاص
الْمُتْرَعُ بِحِزَامِ طُفُولَةٍ يُفَجِّرُ الْحَنِينَ إِلَى الْبِدَايَات
وَيَدَعُ الْخَيْبَاتِ فِي بَحْبُوحَةِ النَّصْر
تَنْعَمُ بِفُتُوحَاتِ تَنْخُرُ الْجَسَدَ النَّازِفَ دَمَ الْعَشِيرَة
أُعَاشِرُ غَابَاتٍ تَرْعَى ضِبَاعَ الْحَيَاة
قَطِيعَ النَّازِحِينَ فِي اتِّجَاهِ التِّيه
أَنْفُخُ فِي نَايِ الْعُزْلَةِ حَرَائِقَ الْقَبِيلَة
أَرْقُصُ عَالِيّاً فِي سَمَاءٍ جَهْمَةِ الْغُيُوم
ضَارِبَةٍ فِي الْعَتَمَة
وَأَهْوِي مُجَرَّداً مِنْ نُجُومِ الْجِنِرَالَاتِ
حَامِلاً قِنْدِيلَ الْحَيْرَة أُضِيءُ مَسَالِكَ الرُّوح
وَأَشْرَعُ نَوَافِذَ الْيَقِينِ عَلَى أُفُقٍ مُسَرْبَلٍ بِالْأُغْنِيَات

شاعر من المغرب

المساهمون