ليست لعبة

29 يونيو 2018
أصغوا أوّلاً... (Getty)
+ الخط -
"المخدّرات... العلاج ممكن". بتفاؤل شبه مطلق، يؤكّد كثيرون الأمر. يجزمون بأنّ العلاج ممكن، وفي بالهم أنّه ناجح لا محالة. الإمكانيّة المُشار إليها ما هي إلا تأكيد للنجاح. بالنسبة إليهم، فإنّ ثمّة حلاً لكلّ مشكلة. تعاطي المخدّرات وإدمانها من تلك المشكلات ذات الحلول الحتميّة! متفائلون هم. ربّما نستغرب ذلك، غير أنّ الإيجابيّة أمر محمود.

قبل أعوام، رُفِعَ شعار "المخدّرات... العلاج ممكن" في اليوم العالميّ لمكافحة إساءة استخدام المخدّرات والاتّجار غير المشروع بها. إلى أيّ مدى نجح القائمون على ذلك اليوم في حملتهم تلك، لا سيّما في تطبيق شعارها آنذاك، أمر لا يمكن الردّ عليه. العلاج ممكن من دون شكّ، إلا أنّه ليس في متناول الجميع. وهذا واقع. ليس الأمر مقترناً ببلدان فقيرة نامية وأخرى غنيّة متطوّرة، فالعلاج ممكن أينما كان شريطة توفّر الإمكانيّات. هي إمكانيّات الأفراد من جهة، ومن أخرى إمكانيّات الجهات ذات الصلة. كأنّما ذلك العلاج ترف أو إجراء تجميليّ! بالتالي، يرى كثيرون - لا بل معظم متعاطي المخدّرات ومدمنيها - أنفسهم وقد عجزوا عن تلقّي العلاج المطلوب. هذا في حال سلّمنا بأنّ نيّة العلاج قائمة.

التكاليف الباهظة ليست السبب الوحيد الذي يحول دون العلاج أو دون نجاحه. فالنيّة سبب آخر وكذلك الاضطرابات المختلفة التي يتخبّط فيها المتعاطون أو المدمنون. لا شكّ في أنّهم يعانون من أزمات نفسيّة كثيرة وأخرى تختلف طبيعتها، في حين أنّ النيّة ليست أمراً متيسّراً ولا آلياً وهي كذلك متعلّقة بتلك الأزمات. أمّا المتفائلون فيشدّدون على أنّ توفّر إرادة يؤدّي إلى نجاح العلاج. أوليسوا هم الذين يجزمون بأنّ "العلاج ممكن"؟!

الأزمات النفسيّة كثيرة. تلك الأزمات نفسها قد تقود إلى الانتحار. مهلاً. أوليس تعاطي المخدّرات شكلاً من أشكال الانتحار؟ أوليس حريّاً بالمعنيّين التركيز على تلك الأزمات، كتمهيد للعلاج نفسياً كان أم دوائيّاً؟ يبدو أنّ القيّمين على اليوم العالميّ لمكافحة إساءة استخدام المخدّرات والاتّجار غير المشروع بها أدركوا تأثير تلك الأزمات التي لا تظهر بين ليلة وضحاها. هي قد تكون نتيجة تراكمات منذ الطفولة أو المراهقة أو الشباب. بالتالي، أتى الشعار الأخير لليوم الموافق في السادس والعشرين من يونيو/ حزيران: "اصغوا أوّلاً". بالنسبة إليهم، فإنّ "الإصغاء إلى الأطفال والناشئة يُعَدّ الخطوة الأولى لمساعدتهم على نموّ صحيّ وآمن"، في حين يشدّدون على أنّ "إرساء القواعد بثبات وهدوء ودفء من شأنه أن يخلق بيئة آمنة وصحيّة ينمو فيها الأطفال".




"المخدّرات ليست لعبة!" شعار آخر رُفِعَ في عام آخر. لأنّ الأمر كذلك، ولأنّنا ندّعي حرصنا على أولادنا وسلامتهم، دعونا نصغي إليهم. ربّما نفلح في تجنيبهم المخدّرات التي تنتشر اليوم كما أيّ لعبة في مجتمعاتنا، سواءً أكانت محافظة أو "متفلّتة" بحسب وصف البعض.
المساهمون