لماذا يخاف الإخوان المسلمون من التاريخ؟

17 ديسمبر 2019

مقر الإخوان المسلمين في القاهرة بعد الاعتداء عليه (1/7/2013/Getty)

+ الخط -
هل جرّبتَ يوماً أن تحضر جلسة استخراج "عفريت" من جسم "آدمي"؟ تشخيص خرافي لمرض نفسي، يصدّق المريض، يتخيّل الدماغ، يرى ويسمع ما ليس فيه، يصدّق من حوله، يأتون بشيخ متخيّل، لعلاج مرض متخيّل، واستخراج عفريت متخيّل، وتبدأ المسرحية. الجميع ممثلون، الجميع مهرّجون، والجميع يتصوّرون أنهم جادّون وحقيقيون. الحالة بتفاصيلها تجدها في تناول جماعة الإخوان المسلمين تاريخها. عفريت التاريخ يقلق الجسد الإخواني، وأغلب الإخوان أطباء، والوقاية خيرٌ من تطليع العفريت، أي اقتراب محظور، أي تناول مُجَرّم، أي مادّة محل تشكيك وتشهير بصاحبها، أي مقال، أي ظهور، أي شهادة، أي وجهة نظر، يتشنج الجسد "المسكون بالهاجس"، ترتفع حرارته، يتعرّق، يهذي، ويصرخ، قبل أن يأتي "الشيخ النصّاب" ويستخرج العفريت.
في عام حكم "الإخوان" في مصر شاهدت "خناقة" على إحدى الفضائيات بين عضو في الجماعة والمخرج خالد يوسف. الأخير اتهم الجماعة بأنها تحتقر الفن، وتحدّى أن يكون في تاريخها فنان واحد. توقعت أن يفرمه "الأخ"، فالإخوان كان لهم فريق مسرحي، قبل ثورة يوليو، أنتجوا أعمالاً، مَثّل معهم نجوم، عبد المنعم مدبولي ومحمود المليجي وآخرون. لم يدهشني أن خالد يوسف لا يعرف شيئاً عن ذلك، ما أدهشني أن الطرف الإخواني بدوره لم يكن يعرف أي شيء، واكتفى بالإشارة إلى أشعار سيد قطب بوصفها "علامةً" على اهتمام التنظيم بالفن.
لا يعرف أغلب الإخوان عن تاريخهم شيئاً. تاريخ الإخوان عورة، تفاصيل أكثر من تسعين سنة من عمر الجماعة تختصر في عباراتٍ بسيطة، وحدّية. الإخوان جماعة الله في الأرض. معارك الإخوان السياسية صراع بين إيمان وكفر، حق وباطل. الفشل مؤامرة، الإخفاقات ابتلاءات، النجاحات تمكين، حجج الخصوم كذب، الاتهامات تلفيق، كلها تلفيق. أغلب محاولات الإخوان في الكتابة للتاريخ حكايات وحواديت و"حدّثني ثقة". معالجاتٌ رومانسيةٌ طوباوية، نادراً ما تجد دليلاً، شهادة، وثيقة. الكتاب الأهم هو "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ"، المؤلف محمود عبد الحليم، عضو الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان، والمقدّمة لمصطفى مشهور، مرشد الإخوان الأسبق الذي امتدح الكتاب، وأثنى على الكاتب، واعتبر تدوين التاريخ أمراً "لازماً". وعلى الرغم من ذلك، لم يعتبر الكتاب تأريخاً رسمياً، وأكد كونه اجتهاداً فردياً، يخصّ صاحبه. وتنصّل الكاتب من كونه مؤرّخاً، وبرّر "تحضير العفريت" بوصفه واحداً من جوانب الدعوة يتعلق بتجربته هو، ورؤيته هو، وتحليله هو، على الرغم من كونه شاهداً على كل ما كتب.
لا توجد، إلى الآن، رواية واحدة تصحّ نسبتها إلى الجماعة عن الأحداث الكبرى التي شهدتها حوادث الاغتيالات، التنظيم الخاص، علاقة الإخوان بجمال عبد الناصر، دور الإخوان في ثورة يوليو، حادث المنشية، تنظيم 1965 وحقيقة الاتهامات الموجهة إليه، التحالف مع أنور السادات وتفاصيله، ما جرى في عصر حسني مبارك، تفاصيل السماح بالاشتراك في انتخابات النقابات، تفاصيل الإعداد لانتخابات 2005 البرلمانية، مدى صحة الاتفاق بين الإخوان وأمن الدولة، في حينها، ما الذي حدث في ثورة يناير؟ ما صحة روايات بعض شباب الجماعة المفصولين حول ما حدث في اجتماع الإخوان بعمر سليمان؟ ما صحة توجيه مكتب الإرشاد شباب الجماعة بالانسحاب من الميدان يوم موقعة الجمل ورفض الشباب؟ ما صحة التحالف بين الإخوان والمجلس العسكري. موقفهم من مذبحة ماسبيرو، تهوينهم، بيانهم الماسخ، تحويلهم استفتاء مارس إلى معركة عقدية. تحريضهم على متظاهري شارع محمد محمود. ما هي التفاصيل التي رفض محمد مرسي الإدلاء بها وهو في القفص؟ وما صحة شهادات سيف الدين عبد الفتاح وعصام تليمة ورضا فهمي وأمير بسام وحمزة زوبع مع الإعلامي سليم عزوز؟ ما هو الرد "المفصّل" بالوقائع المحددة والتواريخ؟ كل هذه الأحداث، وغيرها، يتعامل معها "الإخوان الرسميون" بوصفها منطقةً "محظورة" لم يأتِ وقت الكشف بعد، ولن يأتي، ذلك لأن الجماعة دائماً في خطر، دائماً مطاردة، دائماً مظلومة، دائماً مستهدفة، يكتفون بالاختباء، مذعورين، خلف حسابات اللجان الإلكترونية، ويستأجرون من يقوم عنهم بدور "الشيخ النصاب" ليستخرج العفريت من أجسام الشباب.
دلالات