لماذا لم نعد نفكر بأنفسنا؟

07 مارس 2018
+ الخط -
لماذا لم نعد نفكر بأنفسنا؟ لماذا أصبحنا نفكر بوكلاء يضعون لنا تصوراتهم، ووجهات نظرهم، ويملونها علينا فنتقبلها بصدر رحب، وبكل غباء وضيق أفق؟ ولماذا أصبحت آراء الآخرين ومعتقداتهم مسلّمات مقدسة لدينا نؤمن بها ونقاتل من أجلها، وملكاتنا لم تنتج منها حرفا واحدا؟

لماذا أصبحت أذهاننا مصانع خاوية تعاني من الكساد في الإنتاج وسوء في التوزيع، ولا نملك أمام ذلك سوى المزيد من العجز والضعف؟ لماذا أصبحت أذهاننا سوقا رائجا للبضاعة الجاهزة، ولم نكلف أنفسنا تحريك إبرة أو حياكة خيط؟ لماذا نتلقف الأفكار الواردة إلى أسماعنا، دون أن نكلف أنفسنا مشقة التنقيب عن الحقيقة، واكتشاف العناصر الغامضة، التي يحاول الكثير من المحتالين إخفاء أوساخهم ونفسيتهم المريضة، التي لا تنتج سوى العفن والجراثيم؟

لماذا نرفض أن نرى العالم من حولنا بعين الواقع، ونحاول أن نخلق لأنفسنا مبررات وأوهاماً، لتمرير عجلة ضعفنا وقلة حيلتنا؟ لماذا نعتقد أن العالم كله قبيح مع أن الله قد أنعم علينا في هذا الكون الفسيح بآيات من الجلال والجمال؟ لماذا أصبحنا مصادري الهوية والشخصية والإرادة، ونتجرأ أن نعلن ذلك بكل فخر وسط صيحات الضحك والتصفيق لإظهار البطولات والأمجاد؟


لماذا أصبح الغباء ظاهرة بعد أن كان مجرد حالة طارئة في عقل المجتمع الجمعي؟ لماذا أصبحنا نتقلب، ونتذبذب في المواقف وفق أمزجتنا الخاصة، وندور في الأحكام أكثر من دوران الرحى، ولا ندري متى نضع نهاية لحالات التخبط، التي نكابدها وابتسامات الخيبة، التي ترسم محيانا؟ لماذا نمارس الانحطاط بطريقة لبقة ومنظمة، ونمارس الذكاء بطريقة عبثية فوضوية لا طائل منها، سوى المزيد من الفوضى؟

لماذا نكرر رقصات الموت على أشلاء الأحياء وفي عالمنا المجاور يكررون رقصات الحياة على رفات الأموات، ليأخذوا لأنفسهم وللأجيال من بعدهم درسا وعبرة في الحب والإيثار والتضحية؟ لماذا يحاولون جادين أن ينقلوا عبث أنفسهم، وخواء أرواحهم إلينا، ويفسدوا علينا عيشنا الكريم؟ لماذا يحاولون دائما الاختباء خلف منجزات مصطنعة، وأوهام مبتدعة، ليشقوا عصا الطاعة على الابداع والابتكار؟ لماذا أصبح الغد في نظرهم شريطاً يعيد ما تم تسجيله بالأمس، ولا يقبلون الخروج عن هذا النسق العجيب المفترض؟

لماذا أصبحنا نحاكم الناس، ونقاضيهم بأفكار لا نؤمن بها أصلا، ولا نعلم بالضبط من أين تسللت الى أدمغتنا؟ لماذا أصبحنا نقاتل بسيوف وسهام غيرنا، ولا نكلف أنفسنا عناء إخراج سيوفنا من كنائنها حتى أصبحت لا تقوى على قطع الفاكهة؟ لماذا نقضي يومنا وليلتنا في إفشال الآخرين، ولا نفكر ولو لدقيقة واحدة بأن نصنع لأنفسنا تجربة نجاح جديدة يمكن أن ننافس بها غيرنا؟ لماذا أصبح البحث عن الذات عملا شاقا، ومعقدا يواجه بالكثير من الرفض والمقاومة الداخلية والنفسية، ونحن نتتبع عورات الآخرين، ونجند لها المخبرين؟

لماذا اجتاح اليأس قلوب الكثير منا، وتبددت طاقتنا على الأرصفة، والجدران ليدوسها العابرون، وما يزال في جعبتنا الكثير لننفع به أنفسنا ومن حولنا؟ لماذا وضعنا أحلامنا في صفائح مصمتة، وننكر عليها أن ترى نور الشمس، ونحن بأمس الحاجة إلى من يحطمها، ويزيل عنها الكثير من الغبش والغموض وسوء التصور؟ لماذا ارتضينا لأنفسنا أن نعيش خلف محنطات تملي علينا حاضرنا، وتضعنا خلف الركب آلاف الأميال، وعشرات السنين، تحت شعارات عدمية وموروثات أثبتت الكثير من الأحداث عقمها وردتها؟

لماذا نعلق مشانق ومقاصل لنحاكم بها غيرنا، ونحن أولى بها ليستريح من غبائنا وشرورنا الآخرون، وتعود رحلة البحث عن الحقيقة للإقلاع من جديد؟ لماذا نحن على استعداد للإيمان بأي شيء عدا الحقيقة، ونحطم أي مرآة تكشف لنا عورات الكثير من المقدسات حولنا، ونصنع لأنفسنا توابيت لنعيش بداخلها؟

لماذا لا نعتذر للتاريخ عن تقصيرنا الكبير، ونجدد فصول الصلف والمكابرة، ونختلق لأنفسنا أعذاراً أصبحت محط رجم وقدح العقلاء منذ أمد بعيد؟ لماذا سمحنا لأنفسنا أن تتزاحم طوابير من التساؤلات المؤرقة، ونحن نفترش الأرض عجزا، ونلتحف السماء ضعفا ومن حولنا عبروا إلى الكثير من الحقائق بخطى ثابتة، وارتادوا فضاء الحضارة والنهضة وصناعة التاريخ؟
دلالات
0129593C-65A2-4C3D-AA26-DD2357446546
معاذ محمد الحاج أحمد

كاتب وباحث فلسطيني عضو رابطة الكتاب والأدباء الفلسطينية، له أبحاث في التسويق السياسي، يعمل لدى وزارة التربية والتعليم.