لماذا تلومون وزير العدل؟

14 مايو 2015
+ الخط -
بعد أربعة أعوام على ثورة يناير 2011، كان يعتقد بعضهم أن التصريحات الطبقية التي يشنها المسؤولون المصريون تتجه نحو الزوال، واضعين في اعتبارهم ما قامت لأجله ثورة يناير، وإن كانت المحسوبية والطبقية هي التي تتحكم في التعيينات في سلك القضاء والجيش والشرطة، وغيرها من الوظائف السيادية في نوع من الخفاء حتى اللحظة، إلا أن تفوه المسؤولين بها علانية في هذا التوقيت، إنما يدل علي قمة الفساد الذي وصلت إليه المؤسسات التي تدير الدولة فعليّاً، وتتحكم في أمورها غيرعابئة بغضب الجماهير التي تم إسكاتها عنوة.

وإن كانت مصر تمر بمرحلة اللاعدل في أزهى صورها، تتمثل في كثير من الأحيان بتنحية القاضي للدستور والقانون أثناء نظره القضايا ليكون خصماً لا حكماً يدير القضايا ويصدر الأحكام لصالح الطبقة التي انحاز إليها "الدولة"، فإن ذلك لم يبنَ من فراغ، وإنما من توريث السلطة المنوطة بالعدل لطبقة توارثت أنظمة الحكم على الاستعانة بها حتى تكون عماداً لها في صمودها أمام من يتفوه في وجه الدولة، كما قالها، أحمد الزند، رئيس نادي القضاة، إن أبناء القضاء لن يستطيع أيّاً كان أن يثنيهم عن مسيرتهم "المقدسة"، وهذا ما جعل وزير العدل، المستشار محفوظ صابر، يصرح في 10 مايو/أيار إلى إحدى قنوات التلفزة المصرية بأن أبناء عمال النظافة لا يصلحون في العمل قضاة، مرتكزاً، في ذلك، على الناحية الاجتماعية والطبقية التي يجب أن يتحدر منها القضاة، ولكن ألم ينظر المستشار محفوظ إلى قضاة مصر ومستشاريها الحاليين والمرحلة الشنيعة التي وصلوا إليها؟

لم يكن التصريح الذي أبداه المستشار محفوظ، مجرد كلمات عابرة تمر في حالة اللامنطق التي تعيشها الدولة المصرية في شتى نواحيها، بل إنها جاءت لتعكس الواقع بشكله الحقيقي، ولتؤكد أن القادم أسوأ بشكل قاطع، وكأن المستشار قد قام بدور المتحدث الرسمي باسم المرحلة الحالية نيابة عن السلطة التي هو جزء منها.

وأيضا لم يكن الوزير يقصد ابن عامل النظافه بقوله منصباً على هذه المهنة بحد عينها، بل قطعاً كان يقصد كل من هم في مستوى اجتماعي ميسور الحال أو الطبقات الفقيرة التي لا تمتلك الواسطة، والتي يكدح أبناؤها في علمهم للخروج من تلك الدائرة بجهدهم، إلا أنهم سرعان ما يُصدموا بعد جهد كبير منهم ومن أهاليهم، الذين ذاقوا المُر لإيصال أبنائهم إلى ذلك المستوى العلمي، مجتازين الاختبارات التي تضعها مؤسسات الدولة، ومن ثم عدم قبولهم تحت بند "غير لائق اجتماعيّاً"، الأمر الذي يقود في بعض الأحيان بعضاً من هؤلاء الشباب إلى الانتحار، وليست حادثة طالب العلوم السياسية عبدالحميد شتا عام 2002 ببعيدة عنّا، عندما انتحر ملقيّاً نفسه في مياه النيل، يوم رفض تعيينه في إحدى الوظائف الدبلوماسية، رغم تفوقه في الجامعة على المستوى العلمي وتمثيله الجامعة في العديد من المؤتمرات الرسمية.

في نظري لم يخطئ المستشار محفوظ عندما صرح بتلك الأقاويل، وفي نظري، أيضاً، أن حملة أقيلوا وزير العدل لن تفيد ولن تحل المشكلة، لأن من سيتوالى على المقعد نفسه، سيكون بالتأكيد من العينة ذاتها، من وصل الى درجات عليا في سلك النيابة والقضاء لن يمر إلا في حال كونه مواليّاً للسلطة، ناهيك عن طبقية السلطة التي لن ترضى أن تحيد عن أهم خياراتها في الاعتماد على طبقة بعينها، تلبي لها طلباتها في إطار مصالح مشتركة ومتبادلة، تلك الشبكة التي يتم اختيار أفرادها بناء على انحيازاتهم وولائهم وقربهم من السلطة في المقام الأول، صرح بها وزير العدل مرة أخرى، صباح الاثنين 11 مايو/آيار، إلى أحد الصحف المصرية، بأن ما ذكره هو الصواب والواقع، وأن ما يقع على القضاء يقع على الجيش والشرطة، وهنا انفلت لسان وزير العدل ليبوح بالحقيقة التي ينتهجها من يديرون الدولة المصرية في مجالاتها كافة.

وإن كان وزير العدل قد قدم استقالته من الحكومة استجابة للرأي العام، إلا أنه لا فائدة في إسقاط وزير طبقي عينه طبقي آخر، طالما كانت الدائرة نفسها مغلقة، فزوال الطبقية التي نادت بها 25 يناير لم تزل، وإن كان واضعو الدستور قد نصوا عليها في الدستور الجديد في مادته الثالثة والخمسين "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض"، غير أن الدستور كفل المستوى الاجتماعي بنص صريح وعاقب من يخالف المادة بنص صريح أيضاً، فلم نر عزلاً ولم نر حساباً للأسباب التي ذكرتها سابقاً، مما يعرض بشكل واضح لمرحلة جديدة لانتهاك الدستور، أو لربما المصالح الأخرى التي وضعها من تربوا في عز السلطة قد ترقى بمرتبة أعلى من الدستور والقانون، وما أدرانا؟

ونهاية، طالما أنني لا أصلح أن أكون وكيل نيابة أو قاضيّاً أو في أي منصب من مناصب الدولة، فبالأحرى أنني، أيضاً، لا أصلح أن أكون جنديّاً مجنداً لأحمي تراب بلدي، لأنني مواطن ناقص الأهلية، فلا تطلبوني للخدمة العسكرية الإجبارية، فكما ليس لي حق عندكم، فليس لكم حق عندي، وكيف أخدم في وطن قد سلبني حقوقي؟!

المساهمون