لماذا أهم من "غولدستون"

02 يوليو 2015
+ الخط -
"لم نأت هنا للإعلان عن إدانة أي الأطراف، هذه ليست دعوة قضائية". هذا ما بدأت به القاضية ماريا ديفبس حديثها، وهي تستعرض تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في حرب الـ51 يوماً العدوانية على قطاع غزة العام الماضي. ولهذه المقدمة الحيادية، وصف الإعلام الصهيوني التقرير بأنه متوازن، على عكس تقرير غولدستون، وهو غير متحيز بالشكل الذي يتطرق فيه لإسرائيل أو لحماس.
استغرقت ماريا ديفيس مع قاض سنغالي أشهر طويلة في إعداد هذا التقرير الذي كان ينقصه الاستماع إلى شهادات الضحايا في إسرائيل، وفي غزة، جراء منع الاحتلال للجنة التحقيق الوصول إلى فلسطين المحتلة.
ركز التقرير على الكم الهائل من الضحايا الذي يحطم القلب، حسب ما جاء في التقرير، وبالقدر نفسه من المأساوية، وصف التقرير الإصابات التي لحقت بمن وصفهم المدنيين في إسرائيل، جراء العمليات العسكرية.
قال التقرير إن عملية إنقاذ الأرواح في غزة لم تكن سهلة، لأن السكان هناك شعروا كأنهم في مصيدة، ما يفيد بأن الكمية الهائلة من الضحايا والدمار كان جراء السياسة الإسرائيلية، مؤكداً أن عمليات التحذير المسبقة لإخلاء المنازل لم تكن تعطي الوقت الكافي، كما لم تكن تتيح للسكان مكاناً آخر للهرب إليه.
وعن التحذيرات بوسائل أخرى، أكدت اللجنة علمها بأن إسرائيل حذرت السكان بوسائل مختلفة، وفي بعض الحالات، أبعد مما يطالب به القانون الدولي، وإنها أنقذت بذلك حياة ناس عديدين، لكن ذلك كله لا يبرئ ساحة إسرائيل من المسؤولية عن حياة المدنيين الذين لم يتركوا منازلهم.
وبالنسبة لقذائف المدفعية التي أطلقتها إسرائيل، فإن التقرير أكد أن إسرائيل بالغت في إطلاق القذائف على المناطق المأهولة بما فيها المدارس، وربما يدور الحديث عن ارتكاب جرائم حرب.
أما عن إجراءات (هانبعل)، فأكد التقرير أن حماية الجندي الإسرائيلي تفوق بمراحل أي اعتبار لحياة السكان المدنيين. وفيما يتعلق بالحرب في الشجاعية ورفح التي أثارت المخاوف من احتمال تنفيذ عمليات اختطاف أحد الجنود، فقد أكد التقرير أن إسرائيل أطلقت النار بصورة عشوائية، ومبالغاً فيها، ترقى إلى ارتكاب جرائم حرب.
وجاء في التقرير أن إنقاذ حياة المدنيين في غزة يعتبر أمراً صعباً، بسبب الاكتظاظ، وأن المدنيين كانوا يشعرون وكأنهم في مصيدة لا مهرب منها.
وعبرت اللجنة عن أسفها لعدم سماح إسرائيل للجنة لعرض إفادتها حول هذه الأحداث والالتقاء بالشهود والضحايا وجها لوجه، إلا أن ذلك لم يثن اللجنة، حسب ما جاء في التقرير، عن عرض شهادات الضحايا في غزة والضفة وإسرائيل.
لم يأت التقرير على ذكر حماس بالاسم، لكنه اعتبر أن إطلاق الصواريخ على إسرائيل انتهاك للقانون الدولي، ويمكن اعتباره جرائم حرب، حيث رفض القضاة أعذار حماس، من دون ذكرها، بأن السلاح الذي في حوزتهم ليس دقيقاً. ولذلك، يشكل خطراً على المدنيين.
وفيما يتعلق باستخدام المدنيين دروعاً بشريه، يتهم التقرير حماس بأنها شجعت المدنيين على عدم الانصياع لأوامر جيش الاحتلال والبقاء في منازلهم.
وزعم نتنياهو في رده على التقرير أن إسرائيل لا ترتكب جرائم حرب، وإنها تدافع عن نفسها، في وجه منظمة تدعو إلى إبادتها، متهما حماس بأنها من ارتكب جرائم الحرب.
جراء الأضرار التي يلحقها التقرير ب"إسرائيل"، فإنها لجأت إلى مهاجمة التقرير ومجلس حقوق الإنسان، مهددة بالانسحاب منه، على الرغم من امتناعها عن مهاجمة ماري ديفيس، لأنها تعتبر أن التقرير متوازن نسبيا.
ويتضمن التقرير انتقادات شديدة لإسرائيل، جراء سقوط أكثر من 2200 شهيد، ثلثهم تقريبا من الأطفال، وتنتقد إسرائيل التقرير، لأنه جاء فيه أن مواجهة مقاتلي حماس قوات الجيش الصهيوني عند خروجهم من النفق تدل على أنهم لا ينوون المس بالمدنيين.
في إسرائيل يعتبرون التقرير أقل ضررا من تقرير غولدستون الذي صدر في أعقاب حرب 2008، نظراً لأن كل الاتهامات لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب مقيدة ومشروطة. ولا يتضمن التقرير اتهامات مباشرة، لا لعسكريين من الجيش، ولا من السياسيين، كما لم يطالب التقرير محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بفتح تحقيق، كما جاء في تقرير غولدستون، بل توجد في هذا التقرير توصية فقط.
كما أثنى التقرير على قوة الجهاز القضائي في إسرائيل، الأمر الذي يعتبر أفضل حصانة من الملاحقة القضائية.
ميزة التقرير إسرائيلياً أنه متوازن بما فيه الكفاية، كما تقول إسرائيل، وهذه مشكلة أيضا لأن إسرائيل ستعمل على تجنب الضرر الذي قد يلحق بها جراءه، من خلال الرد على الاتهامات الموجهة إليها موضوعيا، لتحصين نفسها من الملاحقة.
وعلى الرغم من تحاشي التقرير المفضوح للمطالبة بمقاضاة إسرائيل، وملاحقة مجرمي الحرب من قادة العدو السياسيين والعسكريين، فإننا شهدنا ترحيباً من حماس بالتقرير الذي اعتبرته أفضل من تقرير غولدستون.


7B62544C-2905-4EC5-9BF3-8CE568ADF7B0
7B62544C-2905-4EC5-9BF3-8CE568ADF7B0
عماد توفيق (فلسطين)
عماد توفيق (فلسطين)