لـ"كورونا" وجه آخر في ليبيا

19 مارس 2020
أوقف "كورونا" الحرب الليبية رغماً عن الجميع (فرانس برس)
+ الخط -
نحن فقط، وساكنو البلدان الموبوءة بالحروب الأهلية، نعرف أن لفيروس كورونا وجهاً آخر لم يرَه غيرنا من قاطني البلدان المستقرة، التي تطورت فيها نظم أمن المواطن، ليس على المستوى الصحي فقط، بل طاولت مستويات أخرى أشد اتصالاً به. فالفيروس كشف المستور عندنا. وعلى وقع تداعيات تفشي كورونا في أغلب الدول المتدخلة في الملف الليبي، وحالات الطوارئ التي رُفعت إلى أقصى درجاتها، لتنكفئ تلك الدول بالبحث عن حلول لأزماتها الملاحقة التي وصلت إلى مرحلة شلل كامل في حياتها، توقفت الحرب في محيط العاصمة الليبية طرابلس فجأة، إلا من بعض أصوات المدفعية، بين الحين والآخر.

ولاحظ الليبيون غياباً كاملاً للمتحدثين باسم قادة الحرب، إذ تحولت الشاشات، التي كانوا يظهرون عليها، لنقل التداعيات العالمية للفيروس، برفقة تصريحات ومؤتمرات صحافية لمسؤولين ليبيين آخرين عن الإجراءات الجديدة وخطط الطوارئ لمنع دخول الوباء إلى البلاد. وسريعاً ما انضم، ويا للعجب، إليهم قائد العدوان خليفة حفتر، الذي حول اهتمامه إلى إنشاء لجنة عسكرية رفيعة، لا لإعلان خطط عسكرية جديدة، بل لـ"مكافحة وباء كورونا"، وبرئاسة رئيس أركان قواته.

يعلّق كثير من الناشطين بالقول إن ما عجز عنه مجلس الأمن، والعشرات من المبادرات والمؤتمرات الدولية، حققه فيروس في أيام، وأوقف الحرب رغماً عن الجميع. بل يعلّق أحدهم بأن الوباء إذا تفشى في البلاد، فلن يتمكن من قتل أكثر مما قتلته آلة الحرب، التي تجاوز عدد ضحاياها في صفوف المدنيين أكثر من 400 قتيل، عدا الجرحى، وما يتكتم عنه طرفا القتال من أعداد القتلى في صفوفهما. قد تكون الطلقات المدفعية المتبادلة لم تتوقف نهائياً، لكن المدينة باتت تعيش في سلام، وأغلب السكان المجاورين لمطار طرابلس عادوا إلى مساكنهم بعد توقف القصف العشوائي. أصبحنا على قناعة كاملة بأن قرار الحرب والاشتباكات والقصف العشوائي لا يصدر من غرف قيادة المعتدي والمدافع، بل من أطراف خارجية تلهّت اليوم في عواصمها للدفاع عن نفسها من خطر الفيروس، فتوقفت أوامرها وقراراتها للوكلاء في البلاد.

قائمة المستور التي كشف عنها الوباء طويلة في ليبيا، ومنها أن الانقسام في البلاد لا يرغب فيه الليبيون ولا وجود له إلا في أذهان قادة الحرب. فمن يقود حملة منع تسرب كورونا للبلاد، هو المركز الوطني لمكافحة الأمراض في طرابلس. وكشفت تصريحات مسؤولي البلديات، بما فيها المرج التي تقع فيها قاعدة حفتر الرئيسية، أنها تجاوزت قرارات قادة طرفي الصراع بمنع التعامل مع الطرف الآخر. فقد استقبلت بنغازي دعماً طبياً من العاصمة، وطرابلس أكدت، نقلاً عن فرقها الطبية، استمرار خلوّ بنغازي من الفيروس.

المساهمون