لعبة التصوير.. وجوه وأماكن وبحث مستمر

01 فبراير 2015
روزنامة التلفزيون الوطني الإيرلندي (وسام عبد الصمد)
+ الخط -
بدأت علاقة الفنّان اللبناني، وسام عبد الصمد، مع التصوير والكاميرا عام 2007 في أبوظبي. كانت الهواية بمثابة الملاذ الذي لجأ إليه عند وفاة أحد أصدقائه المقرّبين، وعن تلك البداية يقول لـ"العربي الجديد": "صوري الأولى كانت تعكس عدم ارتياحي، كنتُ عبر التصوير أُفرغ حزني وأتعلّم شيئاً جديداً".

بعد ذلك صار ينشر صوره على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد شجّعه التفاعل والتعليقات على الاستمرار في التصوير. وكان انتقاله إلى إيرلندا في 2008، فرصة ليتابع على مدى سنتين دروس التصوير، وكانت الكاميرا شغله الشاغل، يقول: "تلقّيت الدعم والترحيب من مصورين محترفين، ما ساعدني على الوصول إلى ما أنا عليه اليوم".

كان السفر بالنسبة إلى عبد الصمد، المدرّس الذي يعشق مهنة التدريس، حقل التجارب الذي أفاده كثيراً في صقل موهبته، وتطوير حرفته في التصوير، وعن تلك التجربة يقول: "الناس تجلب معها التذكارات خلال سفرها، أما أنا فكانت صوري هي تذكاراتي".

أولى سفراته كانت إلى الهند ثم تايلند، وبعدها كرّت خرزات السبحة، وصارت في جعبته صور لأشخاص من 47 دولة، ففكّر في إقامة معرض محوره: وجوه من العالم. كيف أثّرت تلك الرحلات فيه؟ يجيب: "كان المكان هو الذي يقودني إلى الصورة، صارت الصورة هي التي تأخذني إلى المكان".

لعبة التصوير
يشبّه عبد الصمد التصوير بلعبة شدّ الحبال بين المصوّر وصاحب الصورة، ويشرح قائلاً: "لا تعكس صوري شخصية الموديل كما يرى نفسه، بل كما أراه أنا. مثل صورة السيدة الأربعينية المرفوعة كبروفايل على صفحتي "فوتوغرافي سفن" على فيسبوك، فصاحبتها فوجئت عندما رأتها، لم تعرف نفسها، لم تكن معتادة على رؤية نفسها هكذا".

ويرى عبد الصمد أنّ التصوير هو تبادل للخدمات، موضحاً: "أنا أصوّر لأنّني أحبّ التصوير، ولأنّ الصورة تزيد خبرتي، وترويجي لعملي ولموقعي الإلكتروني. في المقابل، صاحب الصورة يريد صورة جميلة، يحتفظ بها.


فالصورة التي أحفظها في ذاكرتي وأرشيفي، بقصّتها وظروف حصولها، هي بالنسبة لصاحبها ذكرى تحمل قصّة". أما الكاميرا بالنسبة لوسام فهي الوسيط بينه وبين الناس، وتكون الصورة أحياناً حجّته للتعرّف إلى الأشخاص والتقرّب منهم.

من البورتريه إلى الطبيعة
"عندما أباشر بالتصوير تنقطع صلتي بالعالم من حولي، أغوص لساعات وأحياناً لأيام"، يقول وسام. أما عن كيفية اختياره البورتريه لتصويره فيقول: "الملامح تجذبني، الأمر أبعد من الجمال، هو شيء لا أستطيع تفسيره".

وبما أنّ التصوير لم يعد مرتبطاً لديه بالدخل المادي، كما في البدايات، يقول وسام برضى: "صرتُ أختار من أريد تصويره وليس العكس، أصبحتُ أنا العنصر الأقوى في المعادلة". ويبدو أنّ المصوّر المحترف أشبع رغبته في تصوير البورتريه، وصار يبحث عن هدف آخر، فلم يعد هو شغفه الرئيسي، يقول: "شغفي تصوير القضايا العامّة، أريد صوراً تحكي قصص المجتمع".

في عامي 2008 و2009 استطاع توفير دخل مادي جيد من تصوير حفلات الأعراس في إيرلندا، ما مكّنه من إعداد معرضين ناجحين، الأوّل كان بعنوان "من العتمة إلى النور"، وهو اعتمد لعبة الظلال لإظهار جمالية الجسد، وقد أقامه في مدينة كورك الإيرلندية.

والمعرض الثاني كان بعنوان "قصص خرافية إيرلندية بعين لبنانية"، وعن هذا المعرض يخبرنا: "فكرة المعرض تعود إلى طفولتي المبكرة، وقصص سلسلة "ليدي بيرد" عن أشهر الحكايات الخرافية، والتي استحضرتُ رسومها وأجواءها عندما رأيت طبيعة إيرلندا الساحرة، فجاء المعرض ليربط بين الحقيقة ومخزون الخيال في ذاكرتي".

وقد أقيم المعرض في قلعة بلارني الإيرلندية الشهيرة، حيث توزّعت الصور من مدخل القلعة إلى ممراتها الداخلية وحدائقها، وهو استمرّ لمدة ثلاثين يوماً، كما اختيرت إحدى صوره لروزنامة التلفزيون الوطني الإيرلندي.

نال وسام عبد الصمد الجائزة الأولى في مسابقة أفضل صورة لغلاف رواية قيد الإنجاز بعنوان "وليمة وردة" في العام 2010. واعتمد في صورته مبدأ المزج بين اللحظة الآنية والذكرى، التي تظهر راقصة التانغو (ليلى الشخصية الرئيسية في الرواية) التي تقف على أنقاض المطعم الذي كانت ترقص فيه كل ليلة خميس وتتذكر.


لحظات تصوير لا تُنسى
ما إن سألناه عن اللحظات المحفورة في ذاكرته خلال أسفاره مع الكاميرا حتى انطلق قائلاً: "لا أنسى عشرات الأطفال الذين تدافعوا في اتجاهي، خلال زيارتي المنطقة التي يتجمّع فيها المهاجرون غير الشرعيين في تركيا قرب السلطان أحمد. وهذا ما نبّهني إليه أحد أصحابي الأتراك، وعلّمني الكلمة التركية (دوم دوم) وتعني (واحد واحد)، لكي أبعدهم عني. أربكوني في البداية وخفت على الكاميرا منهم، ولكن بعد ساعات لي في المكان، صارت الكاميرا بين أيديهم وأنا أراقبهم وهم يلتقطون الصور".

ويتذكّر عبد الصمد رحلة انتقاله بالباص من شيراز إلى منطقة يزد في إيران، ويقول: "كانت الوجوه عابسة عند المحطّة، خصوصاً وجه المراقب الذي أومأ بتجهّم لصديقتي لكي تعدّل الحجاب على رأسها، ولكن ما إن انطلق الباص الذي تلفّه الستائر، حتى صدحت الموسيقى المنبعثة من الراديو وقام الركاب جميعهم بالرقص والتمايل على الأنغام. كان أمراً مبهجاً لم أتوقّع حصوله في إيران".

ويتابع الحديث عن أفضل ذكرياته وتجاربه الفوتوغرافية والإنسانية، مشيراً إلى أنّه لا ينسى أطفالاً التقاهم في مخيم مار الياس في بيروت، والذين كانوا دليله في المكان. وعن سؤالنا حول أكثر الأماكن التي أثّرت به يجيب أنّه "نفق الحبّ" في سراييفو، لم يستطع التصوير فيه وخرج منه باكياً، ويقول: "هو أجمل الأمكنة وفيه أجمل الناس، لقد تحوّل إلى متحف بعد أن كان الشريان الوحيد الذي يربط سراييفو بالخارج أثناء حصار الصرب لها. أعادني بالذاكرة إلى لبنان مع نهاية الحرب".

استراحة المحارب
ينوي عبد الصمد الابتعاد عن التصوير قليلاً، ريثما ينهي أطروحة الدكتوراه، وموضوعها كيف تكون التربية والتعليم بخدمة العدالة الاجتماعية. ويخبرنا أنه يحبّ التعليم كما يحبّ التصوير، والتصوير لم يسلبه حبّ التعليم، مضيفاً: "أتمنى أن أكون يوماً صاحب مشروع تعليمي يقوم على العدالة الاجتماعية، الفكرة ليست جديدة، لكنّها أبعد ما تكون عن التطبيق، ليس في مجتمعاتنا العربية فقط، بل في الغرب أيضاً".


راقصة التانغو - تصوير وسام عبد الصمد
دلالات
المساهمون