09 نوفمبر 2024
لبنان.. صراع دولتين عميقتين
نجونا في لبنان في الأسبوع الذي انقضى. نجونا من حربٍ أهليةٍ بنسخة متجدّدةٍ ومحدّدة. قد تكون نجاةً حتى إشعار آخر، لكننا فرحون بنجاتنا من مأزقٍ كاد أن يودي بالبلاد إلى جحيم دموي، بسبب كلمة. يحق لنا التفاخر بأننا بقينا على قيد الحياة، نحن ونفاياتنا ومشكلاتنا الصحية والمواصلات المتردّية والكهرباء المقطوعة والغذاء غير النظيف وغلاء المعيشة وارتفاع الأقساط المدرسية، لكننا نجونا. نجاتنا خلف "الصورة المثالية" التي اعتادت البلاد إبرازها في كل مفصل أمني، أي مشهد "الوحدة الوطنية والعيش المشترك"، لا تخفي حقيقة أن النجاة لم تحصل لأجلنا بوصفنا مواطنين، بقدر ما أنه بوشر تأمين عملية "عدم تضارب المصالح" بين الأطراف اللبنانية المتخاصمة.
ليلة الأحد الماضي، كان وزير الخارجية اللبناني، رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، يصف في تسريباتٍ، رئيس المجلس النيابي، رئيس حركة أمل، نبيه بري، بـ"البلطجي"، وأنه "سيكسر له رأسه". اهتزّت البلاد سريعاً. عادت لغة المحاور العسكرية والأدبيات الحربية. وكاد الاشتباك أن يتخذ بعداً خطيراً، مع حصول تشابكٍ تطوّر إلى إطلاق نار، في منطقة الحدث (شرقي بيروت) بين مناصرين لحركة أمل وللتيار الوطني الحرّ، مساء الأربعاء. والمنطقة معروفة أيام حرب لبنان (1975 ـ 1990)، بأنها كانت من ضمن النقاط الواقعة على خط التماس بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية. بالتالي، يفسح أي إشكال فيها المجال أمام تدهورٍ أمني، لا يُمكن السيطرة عليه.
بعد إشكال الحدث، تسارعت الاتصالات الداخلية لوقف انزلاق البلاد، خصوصاً أن باسيل لم يعتذر أبداً من بري، وأن رئيس الجمهورية ميشال عون، سعى إلى تدارك الوضع عبر توجيهه رسالة يوم الثلاثاء الماضي، بـ"التسامح والتعالي". مع ذلك، فإن هدوء الجبهات يوم الخميس الماضي، ثم اتصال عون ببري عبر رئيس الحكومة سعد الحريري، كان كافياً لسحب فتيل التوتر، وإعادة الخلافات إلى داخل المؤسسات الحكومية والبرلمانية.
ما الذي حصل؟ الصحيح أن حزب الله الذي يعتبر عون وبري حليفيه الأساسيين لا يُمكن له ترك الساحة الداخلية مفتوحة أمام تطوراتٍ أمنية، ما يؤدي إلى ضرب استقراره، خصوصاً أن وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، هدد لبنان في شأن البلوك النفطي رقم 9، الواقع على الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة. بالنسبة لحزب الله، من شأن الحرب في سورية، ومعركة عفرين وتحوّلات إدلب، رسم خريطة جديدة ميدانياً. وقد عزّزت هذا التوجه زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، روسيا ولقاؤه رئيسها فلاديمير بوتين، بعنوان محاربة "محاولات إيران ترسيخ وجودها العسكري في سورية، وجهودها لإقامة مصانع لإنتاج صواريخ دقيقة لحزب لله على أراضي لبنان".
عدا حزب الله، فإن الحريري أيضاً لا يمكنه الصبر أكثر من ذلك على تأخير محاولات التعويم المستمرة له ولتيار المستقبل، بعد إعادة رسم علاقاته مع السعودية أخيراً، وانفتاحه على تركيا. وأي توترٍ في الداخل سيفرض على الحريري تأخير ترجمة تطور علاقاته الإقليمية، بما قد يؤثر سلباً على دوره في الانتخابات البرلمانية المقرّرة في 6 مايو /أيار المقبل.
إلا أن الأساس في التهدئة اللبنانية يكمن في "عدم تضارب المصالح". هناك في قلب النظام اللبناني، حيث بنى برّي دولته العميقة على امتداد 26 عاماً، جاء باسيل ليبني دولةً عميقة مضادة. في مكان ما، كان متوقعاً حصول الصدام. لم يزاحم أحد بري، عقدين ونيّفا، توظيفياً، كما أنه ليس لدى باسيل ما يخسره في توغله الدولتي باسم "عودة المسيحيين إلى الدولة"، أي فعلياً زرع أنصاره في مواقع رسمية. هنا تحديداً، تم الاتفاق على تجميد تشابك الدولتين العميقتين، ربما حتى الانتهاء من الانتخابات النيابية، وطرح ملف التعيينات في وقتٍ ما. أما الشبان الذين ثاروا لأجل بري وباسيل، فعادوا إلى بؤسهم وقوقعتهم، حتى يحين وقت "استدعائهم إلى حربٍ" جديدة أخرى.
ليلة الأحد الماضي، كان وزير الخارجية اللبناني، رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، يصف في تسريباتٍ، رئيس المجلس النيابي، رئيس حركة أمل، نبيه بري، بـ"البلطجي"، وأنه "سيكسر له رأسه". اهتزّت البلاد سريعاً. عادت لغة المحاور العسكرية والأدبيات الحربية. وكاد الاشتباك أن يتخذ بعداً خطيراً، مع حصول تشابكٍ تطوّر إلى إطلاق نار، في منطقة الحدث (شرقي بيروت) بين مناصرين لحركة أمل وللتيار الوطني الحرّ، مساء الأربعاء. والمنطقة معروفة أيام حرب لبنان (1975 ـ 1990)، بأنها كانت من ضمن النقاط الواقعة على خط التماس بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية. بالتالي، يفسح أي إشكال فيها المجال أمام تدهورٍ أمني، لا يُمكن السيطرة عليه.
بعد إشكال الحدث، تسارعت الاتصالات الداخلية لوقف انزلاق البلاد، خصوصاً أن باسيل لم يعتذر أبداً من بري، وأن رئيس الجمهورية ميشال عون، سعى إلى تدارك الوضع عبر توجيهه رسالة يوم الثلاثاء الماضي، بـ"التسامح والتعالي". مع ذلك، فإن هدوء الجبهات يوم الخميس الماضي، ثم اتصال عون ببري عبر رئيس الحكومة سعد الحريري، كان كافياً لسحب فتيل التوتر، وإعادة الخلافات إلى داخل المؤسسات الحكومية والبرلمانية.
ما الذي حصل؟ الصحيح أن حزب الله الذي يعتبر عون وبري حليفيه الأساسيين لا يُمكن له ترك الساحة الداخلية مفتوحة أمام تطوراتٍ أمنية، ما يؤدي إلى ضرب استقراره، خصوصاً أن وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، هدد لبنان في شأن البلوك النفطي رقم 9، الواقع على الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة. بالنسبة لحزب الله، من شأن الحرب في سورية، ومعركة عفرين وتحوّلات إدلب، رسم خريطة جديدة ميدانياً. وقد عزّزت هذا التوجه زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، روسيا ولقاؤه رئيسها فلاديمير بوتين، بعنوان محاربة "محاولات إيران ترسيخ وجودها العسكري في سورية، وجهودها لإقامة مصانع لإنتاج صواريخ دقيقة لحزب لله على أراضي لبنان".
عدا حزب الله، فإن الحريري أيضاً لا يمكنه الصبر أكثر من ذلك على تأخير محاولات التعويم المستمرة له ولتيار المستقبل، بعد إعادة رسم علاقاته مع السعودية أخيراً، وانفتاحه على تركيا. وأي توترٍ في الداخل سيفرض على الحريري تأخير ترجمة تطور علاقاته الإقليمية، بما قد يؤثر سلباً على دوره في الانتخابات البرلمانية المقرّرة في 6 مايو /أيار المقبل.
إلا أن الأساس في التهدئة اللبنانية يكمن في "عدم تضارب المصالح". هناك في قلب النظام اللبناني، حيث بنى برّي دولته العميقة على امتداد 26 عاماً، جاء باسيل ليبني دولةً عميقة مضادة. في مكان ما، كان متوقعاً حصول الصدام. لم يزاحم أحد بري، عقدين ونيّفا، توظيفياً، كما أنه ليس لدى باسيل ما يخسره في توغله الدولتي باسم "عودة المسيحيين إلى الدولة"، أي فعلياً زرع أنصاره في مواقع رسمية. هنا تحديداً، تم الاتفاق على تجميد تشابك الدولتين العميقتين، ربما حتى الانتهاء من الانتخابات النيابية، وطرح ملف التعيينات في وقتٍ ما. أما الشبان الذين ثاروا لأجل بري وباسيل، فعادوا إلى بؤسهم وقوقعتهم، حتى يحين وقت "استدعائهم إلى حربٍ" جديدة أخرى.