الوحدة الوطنية

تصاعد حمّى الانقلابات العسكرية في أفريقيا وتدخّل أكثر من طرف دولي للتأثير في الأوضاع السياسية القائمة وتغيير الأنظمة يكشف عن الجانب الأهم الذي يفسّر تخلف الدول الأفريقية، وتضاعف عدد المواطنين الأفارقة النازحين من مناطق الأزمات، بحثا عن فرص للحياة.

اللجوء إلى الانقلابات العسكرية في السودان تعبير عن فشل سياسي داخلي وخارجي في إدارة مرحلة ما بعد نظام البشير، والعجز عن تحقيق توافقاتٍ قادرة على انتشال السودان من مشكلاته المزمنة، والتي لم تكن بحاجةٍ إلى مزيد من الخلافات والتعقيدات الخارجية.

بعد سنوات من الحرب السورية، وبعد تمزّق السوريين وانقسامهم، ما زلنا نسمع سياسيين سوريين، في طرفي النظام والمعارضة، يصيحون بأعلى أصواتهم، مؤكّدين على الوحدة الوطنية، مردّدين العبارة التي تحوّلت إلى شعار وهتاف: واحد، واحد، الشعب السوري واحد!

كلما تلقى النظام دعمًا ماليًا وسياسيًا من أصدقائه الجدد في الخارج، اشتدت قبضته على الحريات والحقوق. تأتي الأحكام الصادمة فيما تطلق أشكال من المعارضة الداجنة بالونات مزركشة في الهواء إعلانًا عن أجواء منعشة للحريات، تتطلب من الجميع التكاتف حول النظام.

عشرات الأمثلة على خواء نظرية المؤامرة التي لا تود أن تموت، غير أن عودتها إلى الرواج في وقت متزامن مع زلزال القرن، حملتنا حملاً على التنديد بها وبدعاتها القدامى/ الجدد، ممن لا يتورّعون عن الرجوع إلى نظرية المؤامرة كلما دقّ الكوز في الجرّة.

بعد انهيار المجتمع في سورية، وتردي الوعي إلى الدرك الأخير، واستلاب الجوع للأجساد والنفوس، وتهديده حياة المواطنين السوريين، لن يكون هناك مفر من انتقام الجائعين، ولن يكون مفرّ من هياج غريزتهم بأعتى صورها وممارساتها.

شدّد البيان الختامي للقمة العربية المنعقدة في الجزائر على ضرورة "مشاركة الدول العربية في صياغة معالم المنظومة الدولية الجديدة". لكن الجميع يعلم أن ما يصدُر عن هذه القمم يظل حبيس الورق والشعارات، ولا يجد تطبيقا له على أرض الواقع.

فرصة الجزائر في تحقيق ما عجزت عن تحقيقه دول أكثر دراية بتعقيدات الحالة الفلسطينية ضئيلة جداً، ولعل قلة اكتراث الفلسطينيين بما وقّعت عليه فصائل بات معظمها ينتمي إلى زمن مضى دليل على أن أولي الأمر ملوا من الاستماع، مجدداً، إلى الأسطوانة المشروخة ذاتها.