منتفعون في لبنان

26 أكتوبر 2024

دمية بين الأنقاض بعد غارة إسرائيلية على بيروت قتلت 16 شخصاً (22/10/2024 Getty)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

دائماً هناك أفراد منتفعون من الحروب والمصاعب، أو أغبياء إلى درجة التفاهة. وفي حالة العدوان الإسرائيلي على لبنان، هناك كثيرون منهم. هناك من يحاول استغلال إنذارات الإخلاء التي يصدرها جيش الاحتلال في مناطق لبنانية عدة، فيُصدر إنذاراتٍ مماثلة عبر إجراء اتصال بأحد المواطنين، مثيراً الذعر في قلوب الناس. وهو ما شهدناه أخيراً مع تزايد الاتصالات المحلّية الداعية إلى إخلاء المنازل في أماكن لم يطاولها العدوان الإسرائيلي. وتُفسَّر مثل هذه السلوكات بمعانٍ عدّة، مثل السخرية أو السرقة بعد إفراغ البيوت من أهاليها. في السياق، أفادت القوى الأمنية بحصول 288 اتصالاً بالإخلاء على الأقلّ منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي وحتى الأربعاء الماضي.
لا أحد يدري ما يدور في عقول المتّصلين والداعين للإخلاء في الداخل اللبناني، لكن من الضروري زجّهم في السجون فترات طويلة. أفراد آخرون ينتفعون من العدوان، وهم مجموعات الواتساب والمواقع الإلكترونية، الذين دائماً ما يطلّون في أواخر كلّ مساء بالحديث عن بطولات وهمية على الحدود مع لبنان، ما يثير انطباعاً بأن العدوان سينتهي في ساعات، وأن الاحتلال سيندحر. ما الذي يحصل؟ ... في اليوم التالي، لا يجد أحد حقيقة واحدة في ما قيل كلّه خلال الليلة السابقة.
وتثير مثل هذه الأنباء المزدانة بعبارات دينية الإحباط أكثر ممّا تدعم حقّ مقاومة الاحتلال. وفي السياق نفسه، تطرّق مراسل قناة المنار، التابعة لحزب الله، علي شعيب، في قناته عبر منصّة تليغرام، إلى هذه الأنباء، طالباً الابتعاد عن البطولات الوهمية التي تضرّ المقاومة، وفقاً له.
وأيضاً وأيضاً، هناك الاستغلاليون الذين ينتهزون فرصةَ تهجير أكثر من 1.3 مليون شخص، للتدفّق إلى مراكز الإيواء، وتصويرهم وهم يقدّمون المساعدات للناس، طبعاً من دون تجاهل أيّ تفصيلٍ مرتبط بارتدائهم أزياءَ من صنع ماركة ما، أو الحصول على صورة لوضعها في مواقع التواصل الاجتماعي، وكتابة تعليق من قبيل "بحبّك يا لبنان"، لأن ماركة الثياب وكلمتَي "حبّ" و"لبنان" كفيلة بزيادة الرصيد المصرفي لهؤلاء. أمّا المهجّرون فمتروكون حتى موعد الصورة المُقبلة.
لمن يعتقد أن مثل هذه القصص الصغيرة مُجرَّد تفاصيل صغيرة، يتناسى أن التفاصيل تصنع الصورة الكاملة. والمجتمع اللبناني الذي أنتج أمثال قصصنا الصغيرة، في حاجة إلى حرب داخلية للخروج بمجتمع ذي عقلية مغايرة، تبدأ أولاً في عدم حصول اتّصال من أحد السخفاء بغرض إخلاء مبنىً واحد، وتمر في استخدام طريقة تقنية ما لوقف مجموعات واتساب ومنصّات إلكترونية هدفها إيهام الناس واستغلالهم بأخبار غير صحيحة، وتصل إلى حدّ منع استخدام "فعل الخير" أداةً للترويج الذاتي وتلقّي الأموال. ذلك كلّه واجب لصياغة مجتمع موزون، لا مجتمع قائم على "ترند"، بما يوحي وكأنّه في حال استمرّ العدوان الإسرائيلي على لبنان فترةً طويلةً، فإن صور توزيع المساعدات ستخفّ لأنها "غير مؤثّرة" بين المؤثرين أو النافذين في وسائل التواصل الاجتماعي.
ذلك كلّه في خانة، والحديث عن سياسيّي لبنان في خانة أخرى. لمن يريد تعذيب نفسه، ليشاهد برنامجاً سياسياً تلفزيونياً واحداً فقط، وسيرى كمّ التفاهة في عيونهم وكلامهم. شعبهم مُشرَّد، وهم يبحثون في كيفية استثمار اللحظة لانتخاب رئيس أو تمتين مواقعهم السياسية، أو تبادل اتهامات يخجل أولادٍ في بدايات أعمارهم من مُجرَّد التفكير فيها، وكأنّ الاعتداءات الإسرائيلية لا تحصل قربنا، بل في بلاد بعيدة آلاف الكيلومترات عن لبنان.
تخيّلوا أن في كتب التاريخ كتابات عن لبنان القوي الصامد بجبله وناسه، وأنه شكّل ملجأً لشعوب الشرق الأوسط، الذين تناغموا في جباله ووديانه، ثمّ وجد نفسه يقاتل الاحتلال بصورة لمؤثّرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبكلام لسياسي أغبى من مفهوم الغباء، وباتصال كاذب لسخيف يطلب فيه إخلاء منزل ما، لإشباع سخفه فقط... تخيّلوا فقط.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".