لا تكونوا كأساتذتكم

06 أكتوبر 2014
العودة إلى المدرسة (Getty)
+ الخط -
أشاهد إخوتي يستعدّون للعودة إلی المدرسة. ينشغلون بتحضير كتبهم وشنطهم الثقيلة. يتحمّسون للعودة. أتنبه أنّها سنتي الأولی خارج المدرسة والجامعة. وللأمانة، لا تنتابني مشاعر الحنين أبداً. يمرّ ثلاث أشخاص علی بالي كلّما تذكرت المدرسة وأيّامها. وأظن أنّهم من أكثر الأشخاص الذين قابلتهم في حياتي سماجة.
الناظر العام، أوو "ماريو" كما كنا ندعوه. يصل كرشه قبله دوماً. لا يفلت الخيزران من يده أبدا. يلوّح به كما لو كان يملك العالم. لا نخاف نحن. ويغضب هو باستمرار. يخبرنا أنّ أيّاً منّا لن ينجُ من الخيزران إذا ما خالف القوانين، شاباً كان أم فتاة. يراقبنا طوال مدّة الفرصة من شبّاكه ويصرخ بأعلی صوته إذا ما شاهد شاباً وفتاة يتمشّيان سويا: "مسافة شرعية يا شباب".
يجود علينا بالغزل الصباحي ويخصّ الفتيات به تحديداً. "كبّي الصرماية من تمّك"، يقول لصديقتي التي تمضغ العلكة. كان بارعاً في الكناية صراحةً. كان حكيماً أيضاً..حكيماً جدّا. قصدته إحدی الفتيات التي أجبرها أهلها علی ترك الدراسة. أقنعتهم بضرورة عودتها إلی المدرسة بعد سنوات عديدة. قال لها الناظر الحريص: "روحي لاقي عريس واقعدي بالبيت وبلا هالفذلكة وأكل الهوا".
تنتظرنا الناظرة الأخری علی الدرج. تدعونا بالـ"طانت"، فصرنا ندعوها بالـ"مسّ طانت". تراقب طول المريول الأزرق البشع كلّ يوم. تتأكّد من أنّنا لم نضيّقه. تنتقد ثيابنا الملوّنة. تشمّ شعرنا لتتأكّد من أنّنا لم نستعمل أيّ عطر. توشك أن تقتلع رموشنا لتتأكّد من أنّها غير اصطناعية. توغل يديها في جيوبنا من دون استئذان بحثاً عن قلم كحل أو أحمر شفاه.
تجرّنا إلی مكتبها وتجبرنا علی إزالة طلاء الأظافر وتهدّدنا بالطرد إذا ما كرّرنا فعلتنا ولوّننا أظفارنا. تصادر إكسسواراتنا، طلاء أظفارنا وحتّى مجلاتنا ولا تعيد منها شيئاً.
كانت الناظرة الثالثة حامل. أظنّ أنّها بقيت حاملاً طوال السنوات الثلاث التي عرفتها خلالها. تصرخ دائماً. تقول إنّها ستلد الآن بسببنا ولا تلد أبداً. تهدّدنا كلّ يوم بأنّنا سنموت جميعاً علی يديها.
قدمت يوما الی المدرسة من دون ماكياج. تغيّب أكثر من نصف الطلاب عن الدوام في اليوم التالي. كانت المرّة الأولی التي خفنا منها حقاً. صادرت كلّ التشيبس والشوكولا التي كانت قد وجدتها معنا. كنا نعذرها دائماً ونقول: "معليش حامل".
يقطع أخي عليّ ذكرياتي ويطلب منّي أن أحدّثه عن أيّامي في المدرسة. أبتسم وأقول له مثلما كان يردّد والد صديقتي دوماً: "راقب أساتذتك ولا تكن مثلهم".
المساهمون