لا بديل عن التصالح

01 نوفمبر 2015
+ الخط -
عقود مرت على بدء الصراع، المكبوت/ الظاهر، الهادئ أحياناً، والعنيف كثيراً، بين الأيديولوجيتين الرئيسيتين، العروبية والإسلامية. لم يبدأ الصراع أو الثأر التاريخي بينهما بعد ثورة 25 يناير في مصر، ولا بعد تدخل العسكر بعد 3 يوليو 2013، كما أن ما حدث من صراع دموي بين جمال عبد الناصر و"الإخوان المسلمين"، أو بين هؤلاء والبعثيين، لم يكن إلا مجرد أشكال صريحة وعنيفة له، لكن البداية الحقيقية للصراع بين الهويتين، إن صح التعبير، ربما كانت منذ أكثر من مائة عام. إذ تعود جذوره إلى قيام الثورة العربية الكبرى، بدعم من الإنجليز ضد الدولة العثمانية التي كانت تسيطر عليها القومية التركية، واضطهدت العرب والأكراد والأرمن، خصوصاً أنه كانت هناك مطاردة وحصار لفكرة القومية العربية التي بدأ ظهورها في ذلك الوقت.
من هنا، اعتبر إسلاميون أن العروبة ضد الإسلام، وأن القوميه العربية أداة للغرب الصليبي من أجل تفتيت الأمة الإسلامية، خصوصاً أن فكرة القومية غربية أساساً، قامت على نموذج الدولة الوطنية القومية في أوروبا، فعاد الحديث عن الخلافة، وظهرت دعوة حسن البنا والإسلام السياسي، ثم كان الصدام الدموي بين المشروعين في الخمسينيات، بعد تولي القوميين العرب السلطة وإقامة أنظمة حكم شمولية/عسكرية/ استبدادية، انتهى بها الحال إلى هزيمة 1967. ولم تكن هزيمة عسكرية فقط، بل كانت أيضاً نقطة فارقة، لأنها مثلت انهيارا للأنظمة العربية الحاكمة، وإعلاناً عن فشل الإدارة والحكم الشمولي/ العسكري، وانهياراً لمشروع القومية وحلم الوحدة. وفي السبعينيات، كانت مرحلة أخرى للصراع بين المشروعين، فقد طرح الإسلاميون مشروعهم بديلاً أو وريثاً بعد هزيمة 1967، وقد ساعد أنور السادات في تقوية الإسلاميين، عندما استعان بهم ضد الناصريين والشيوعيين، وأطلق على نفسه لقب الرئيس المؤمن، إلى أن اغتاله إسلاميون، ودخل الصراع إلى مراحل دموية أخرى وتحولات كبرى في المشروعين، العروبي والإسلامي.
ما نعيشه الآن امتداد لذلك الصراع، وتصفية لحسابات وصراعات قديمة. ما زال شيوخ الإسلاميين يتذكّرون بألم فترة عبد الناصر والتعذيب والقهر في سجونه، ويتذكّر شيوخ القوميين بألم فترة السادات التي أطلق فيها الإسلاميين لضرب القوميين في الجامعات. ولكن، هل هناك أمل في وقف ذلك الصراع التاريخي؟ هل هناك أي محاولات للتوفيق بين المشروعين في المنطقة العربية؟ هل يمكن فعلا إنتاج مشروع جديد جامع من أجل المستقبل؟ هل تمت أي مراجعات أو نقاشات؟
كانت هناك مراجعات لفكرة القومية، أو للمشروع العروبي، بعد هزيمة 1967، لكنها كانت نقاشات نظرية، ولم تؤدِّ إلى أي تصحيح عملي، ولم يتم استكمالها، بجانب استمرار العناد عند بعضهم ورفض الاعتراف بالأخطاء، وكذلك الحال بالنسبة للإسلاميين. وكانت هناك محاولات للحوار والنقاش بين المشروعين في الثمانينيات والتسعينيات، من أجل مناهضة العولمة أو الصهيونية أو التغريب، لكنها محاولات لم تؤدِّ إلى شيء.
ولكن، لا بديل للتصالح والتوفيق بين المشروعين العروبي والإسلامي، فاستمرار الصراع والتناحر وإقصاء الآخر لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخراب والتخلف في مصر والمنطقة. وللأسف، هناك من لم يكتفِ بالصراع بين الهويتين العروبية والإسلامية، ففي مصر الآن من يحاول التقوقع في الهوية المحلية، فبدلاً من أن نُحدث توافقاً في مصر بين هويتنا الإسلامية والعربية والمصرية، تزداد أصوات نشاز كثيرة في الإعلام المصري كل يوم، تضع الهوية المصرية أمام أي شيء آخر، فأصبح هناك من يهاجم عمل الفنانين العرب في مصر، أو يهاجم الصحفيين العرب الذين يتناولون الشأن المصري، أو يهاجم القضية الفلسطينية نكاية في حركة حماس.
لا بديل عن التصالح بين المنهجين، فلا غنى لأحدهما عن الآخر، وهذا يتطلب مراجعات ونقاشات عديدة، وتقييماً موضوعياً واعترافاً بأخطاء التجربتين، ومشروعاً يجمع الهويتين الرئيسيتين، قومية عربية بدون تخوين وإقصاء، وهوية إسلامية بدون تكفير، توافق وتوفيق بين العروبة والإسلام، وأيضا بين الانتماء للدولة القُطرية، وبدون تخوين أو تكفير أو انتهازية سياسية أو إقصاء للآخر.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017