لاريسا بيندر: لم يتزعزع إيماني بالثورة السورية وعدالتها

09 أكتوبر 2015
الصحافية الألمانية لاريسا بيندر (العربي الجديد)
+ الخط -
لاريسا بندر، صحافية ومترجمة ومستشرقة ألمانية، تعتبر من أهم المترجمين الذين ينقلون من العربية إلى الألمانية، تركّز ترجماتها على الرواية لاعتقادها أنها الأقدر على استيعاب التحولات والتغييرات.

قامت بترجمة أعمال لروائيين عرب كبار كعبد الرحمن منيف وفاضل العزاوي ويوسف زيدان وجبور الدويهي وسمر يزبك وآخرين.

برز اهتمامها بالشأن السوري أكثر مع اندلاع الثورة السورية عام 2011 وقامت بترجمة أعمال لكتاب رأت فيهم ملامستهم واقع الحال الحالي.

وجهاً لوجه كان لملحق "جيل" الحوار التالي مع لاريسا بندر:


* سأبدأ بسؤال إشكالي نوعاً ما: الترجمة هي محاولة لفهم الآخر وبناء جسر للتواصل، قديماً كان يتم هذا الفعل بالرغم من عدم وجود وسائل التواصل، بينما اليوم وبوجود الوسائل ليست هناك رغبة حقيقية في فهم الآخر المختلف. ما مردُ ذلك؟.

ربما ليس تماماً في ما يتعلق بالرغبة وعدم الرغبة في فهم الآخر، وسائل التواصل وانفتاح العلاقات قربَّا المسافات وهذا بحد ذاته انفتاح ولو بشكل غير الشكل الذي تفترضه الكتابة والمثاقفة عموماً، لكن أحياناً تكون المشكلة في الشكل الذي يريد الآخر تقديم نفسه فيه، كذلك تلعب السياسات، سياسات الدول، دوراً سلبياً في التوصيل، فتبقى الترجمة قاصرة ومشوشة ولا يحدث التواصل كما يراد منه.

* ألا ترينَ أنَّ الترجمة كانفتاح عالم على آخر تقتضي وجود مؤسسات حكومية أو أهلية كبيرة، وأن المحاولات الفردية كمحاولاتك ستبقى قاصرة ولن تقدم نسقها، هل توجد جهة ما تتبنى توجهاتك وتعولين عليها؟

أنا شخصياً أتمنى أن أتفرغ لصالح دور ترجمة تؤمن لي راتباً يجعلني مطمئنة معيشياً، لكن هذا غير متوافر، هناك منح للترجمة لا تؤمن لي معيشة نصف شهر، كذلك توجد منح لدعم دور النشر والمساعدة تذهب للدار وليس للمترجم من قبل وزارة الخارجية، عربياً لم أجد داعماً واحداً لا يسيّس دعمه ولا يربطه بشكل مباشر بغاياته السياسية، وهذا سيجعل الأعمال التي ستصدر مرتبطة بالممول وبطابعه ورؤيته. أنا في رأيي أجد أن الترجمة يجب أن تكون بعيدة عن توجه الحكومات.

* ترجمتِ عن العربية لكتّاب مهمين متجاوزة الحالة الوظيفية للترجمة إلى الموهبة وحبِّ اللغة، أنا شخصياً أراها لغة مكتنزة بالجمال والغنى وتبيح مساحة طيبة للمترجم ليعمل فيها، برأيك ماذا يعوزها لتصل إلى الآخر؟

الترجمة من العربية صعبة جداً للاختلاف الكبير بينها وبين الألمانية، وأنا عندما أترجم لا أبالغ إذا قلت إنني أكتب الكتاب من جديد، هذا الأمر فيه بعض الخيانة لروح الكاتب لكن لا يمكن أن أكون حيادية وأترجم بشكل تقني لأن ذلك بدوره سيقتل النص الأصلي وسيكون فيه الظلم كبيراً، بالنسبة إلي لا يمكن أن أحدّد جماليات العربية لكن يمكن أن أشير إلى المشكلة في الترجمة، الكاتب العربي ليس لديه محرر، وجملته فضفاضة ويوجد كثير من الزوائد التي يراها القارئ الأوروبي نافلة ولا عمل لها، هنا على سبيل المثال غونتر غراس يرافقه محرر لا يصحح الأغلاط الإملائية والطباعية فحسب، بل يساهم في صناعة النص فكرة ومعنى وصياغة، بينما (الأنا) عند الكاتب العربي تجعله ينظر إلى آخر يصحح له على أنه انتقاص من شخصه وكتابته.


* اشتغلت مؤخراً ترجمة وإعداداً على كتاب احتفى بنصوص لكتّاب سوريين، كان بمثابة وثيقة عن الداخل السوري، ألم تتغير الظروف والشروط، بحيث أصبحت مواضيع الكتاب قديمة ويجب استمرار المشروع بالجديد؟

الصورة الآن غير موجودة، الإعلام يتحدث الآن عن داعش ويكاد يتناسى القاتل الحقيقي بشار الأسد، القارئ الألماني يبحث عن الجديد هناك، أنا أعمل على شيء عن سورية، لنقل ما يحدث هناك، ربما لم أحدد بالضبط المشروع الذي سأعمل عليه، ربما سأذهب إلى تناول نصوص تهتم بالتفاصيل مهما كانت صغيرة لنقول من خلاله إن الحياة ممكنة ولو قليلاً، وهذا قد يتم بالتعاون مع شباب يكتبون من الداخل ويدونون اليوميات بأمانة كبيرة.

* يهمني أن أعرف رأي القارئ الألماني بكتاب "رؤى من داخل سورية (INNENANSICHTEN AUS SYRIEN) باعتباري أحد المشاركين فيه، هل وصلته الرسائل؟

نعم وصلت الرسالة باعتبار الكتاب كان لكتاب كبار وبمثابة وثيقة عن الداخل السوري. فقد تناولت الصحافة الألمانية الكتاب كثيراً واهتمت به ونشرت مقالات عدة عنه، وهذا شيء مفرح لأنه يساهم في توضيح جزء من الصورة التي كانت غائمة بعض الشيء.

* يتوزع جهدك على الصحافة والترجمة وتبدين سورية أكثر من السوريين، هل هو موقف أخلاقي من الثورات أم هو عشق سوري؟

لست سورية أكثر من السوريين، لكنها المحبة للإنسان، لا أفصل بين الأخلاقي والعشق، كلاهما ساهم في رصد هذه الثورة المضطهدة أو التي جاز القول بها: "ثورة يتيمة"، كل العالم تجاهل هذه الثورة وغبنها حقها، حتى بلدي وفرنسا وغيرهما مع تفاوت مواقفهم فهم جميعهم لا يعملون بشكل أخلاقي خالص اتجاه الشعب السوري، وما يتذرعون به واهٍ ولا أساس له.

تشرذم المعارضة السورية لا يعني أن يذهب التفضيل بين الأسد أو داعش وتغييب الأصوات الحقيقية وصاحبة الثورة. العالم كان متفرجاً وما زال، وأعتقد أن التجاهل هذا ستكون له منعكساته الكبيرة على الجميع.

* سؤال آخر في نفس المنحى. إلى جانب مشروعك في الصحافة والترجمة والتدريس أيضاً تنشطين اجتماعياً في مؤسسات إغاثية ونفسية لمساعدة اللاجئين..

في البداية كنا نعتقد أن أعداد اللاجئين ستكون قليلة وما هي إلا أيام وأشهر وسيعود الكثيرون، لكن ما حدث في ما بعد كان مفاجئاً والحكومة الألمانية لم تحسب حساباتها جيداً وهذا أربكها وأربك الموظفين القائمين على هذه المسألة. بالإضافة إلى أن هناك يميناً متطرفاً يتنامى دوره وهذا سيسعى ضد اللاجئين، لهذا قمنا بمبادرات أهلية مجتمعية، بمعنى أن مؤسسات المجتمع المدني الألماني تقوم بمساعدة هؤلاء الناس والتخفيف عنهم في ما يخص حياتهم الجديدة.

* بحكم قراءاتك لأدب الثورات (ثورات الربيع العربي) أنموذجاً، برأيك هل هناك بوادر لتبلور ملامح أدب عربي جديد، سيثير شهية القارئ الأوروبي ويجعله يجدُّ في البحث عنه؟

في ألمانيا توجد نصوص تحاكي ذكريات من عاشوا الحرب العالمية الثانية وويلات الحكم النازي. كتّاب شباب يذهبون إلى أسلافهم لتحويل قصصهم الشفوية إلى كتابة يتم الاستفادة منها، كذلك في تجربة الحرب الأهلية اللبنانية، يكتب الكتاب عن تجربة مريرة ومكروهة ليكره إنسان اليوم الحرب، وأعتقد أننا في الأيام القادمة سنكون أمام أدب يخص هذه المرحلة له سماته، وإن كنت أرى الآن ما يشير إلى ذلك وبشكل واضح.

* بعد كل هذا التشظي في الثنائيات والانقسامات في المعارضة السورية، ما هي قراءتك للثورة، أقصد ألم تخبو حماستك اتجاهها؟

حماستي خبت، نعم، لكن لم يتزعزع إيماني بالثورة وعدالتها، آخذ إيماني من أناس ما زالوا هناك. قبل أشهر تحدثت مع أحد النشطاء في (كفرنبل) سألته إذا كانوا ما يزالون يؤمنون بانتصار الثورة، قال: "لو لم نؤمن لما بقينا هنا ولما هتفنا من اللحظة الأولى". أنا متشائمة من الخذلان الذي يمارسه العالم، لكني أؤمن بأن السوريين انطلقوا من حق وظروف جعلتهم يتحولون إلى هذا الشكل من التغيير.

* ما الجديد الذي تعمل عليه لاريسا بندر وما الذي تود قوله ولم تقله بعد؟

ليس هناك جديد ترجمة، سوى أني ترجمت كتاب سمر يزبك "بوابات أرض العدم" وصدر باللغة الألمانية بعنوان "الثورة المسروقة". وهو كتاب إنساني في موضوعه، وأطمح لأن أجد ما هو جديد شكلاً وموضوعاً، ويمكن أن يكون مناسباً ليقدم للقارئ.

(سورية)

المساهمون