استمع إلى الملخص
- **تفاقم الأزمة المعيشية بسبب الإغلاق الإسرائيلي:** الإغلاق المتواصل للمعابر يمنع دخول المواد الأساسية، مما يفاقم أزمة المياه حيث لا تستطيع البلديات تزويد المواطنين بالكميات المطلوبة، ولا يمكن تشغيل مولدات الكهرباء لسحب المياه.
- **التحديات اليومية للنازحين في الحصول على المياه:** النازحون يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على المياه، حيث يضطرون لحفر نقاط للوصول إلى الأنابيب ورفع المياه يدوياً، مما يزيد من الإرهاق في ظل الحاجة المتزايدة للمياه وارتفاع درجات الحرارة.
تدفع أزمة المياه المتفاقمة، وعدم وصول "مياه البلدية" المخصصة للاستخدام اليومي الفلسطينيين في قطاع غزة إلى ابتكار طرق يمكنهم من خلالها توفير الماء، كان آخرها حفر نقاط في الرمال للوصول إلى الشبكات الأرضية التي تقع على عمق مترين أو أكثر.
ويؤثر انقطاع التيار الكهربائي منذ بداية العدوان الإسرائيلي تأثيراً ملحوظاً على عمل بلديات قطاع غزة، خصوصاً في سياق توزيع الماء على مختلف المحافظات، والتي كانت تعاني شحّاً مائيَاً كبيراً قبل العدوان بفعل التأثيرات السلبية للحصار المفروض على القطاع منذ ثمانية عشر عاماً.
وفاقم الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر من عمق الأزمة المعيشية نتيجة منع دخول مختلف المواد الأساسية، وفي مقدمتها المواد الغذائية، والمساعدات الإنسانية، إلى جانب قطع الماء وإمدادات الكهرباء، ومنع دخول مشتقات البترول، وتعطيل شبكات الاتصالات والإنترنت.
ويسبّب منع دخول الوقود الذي يعتبر الداعم الأول للتيار الكهربائي في توفير الطاقة، بخلق أزمة مركبة في قطاع المياه، إذ يقوض قدرة البلديات على إمداد المواطنين بالكميات المطلوبة وفق الجداول التي تم وضعها للتعامل مع الواقع الطبيعي، أو واقع الطوارئ، كما يحرم المواطنين من تشغيل مولدات الكهرباء لسحب المياه إلى الخزانات.
يقول الفلسطيني مروان سعد، وهو نازح من حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، إلى منطقة التحلية غربي مدينة دير البلح (وسط)، إن "تواصل الحرب حرم الفلسطينيين من الحصول على أدنى مقومات الحياة الآدمية الطبيعية".
ويوضح سعد لـ "العربي الجديد"، خلال وقوفه في طابور طويل أمام حفرة يتم من خلالها سحب الماء يدوياً عن طريق الجرادل من أنابيب شبكة المياه الأرضية: "أزمة الماء لا تقتصر على انقطاع الكهرباء والوقود، بل تتجاوز ذلك عند أكثر من مليوني نازح تركوا بيوتهم بفعل التهجير القسري على وقع القصف والمجازر وإطلاق النار المباشر بهدف القتل. تلك المنازل التي تركوا فيها ملابسهم، وعفشهم، وفرشهم، وخزانات المياه، والمولدات الكهربائية، ومختلف الأشياء الضرورية لتدبير أمور حياتهم اليومية".
ويُرجع سعد تعبئة المياه بهذه الطريقة البدائية إلى عدم وصول المياه إلى مخيم النزوح الذي يقطنه بفعل الانقطاع الكامل للكهرباء، وأزمة نقص الوقود، ما دفعه وجيرانه إلى حفر تلك النقطة للوصول إلى الأنابيب، ووضع خرطوم مياه، والقيام برفعها يدوياً بالتناوب بين الجيران.
أما جاره النازح خالد عبد ربه، فيقول إنه "على الرغم من صعوبة هذه الطريقة في الحصول على الماء، سواء في الحفر، أو في استخراج الماء الصعب والمرهق، تظل غير مضمونة، فأحياناً لا تتوفر المياه في الشبكات الرئيسية، وتصل في أيام محددة، ما يدفعنا إلى تدوين تلك المواعيد، ومتابعة أوقات الوصول لتعبئة الجالونات والبراميل الصغيرة".
يتابع عبد ربه: "عملية استخراج المياه تتم عبر متابعة خطوط المياه، أو تخمين مواضعها، والحفر في الأرض وصولاً إليها، وقطع خرطوم المياه للحصول عليها وإتاحتها للنازحين في الخيام، أو لأهالي المنطقة. الأمر مرهق للغاية، خاصة في ظل التعبئة تحت أشعة الشمس، ودرجات الحرارة المرتفعة، لكنه السبيل الوحيد المتاح أمامنا".
ويوضح خالد حسونة، والذي بادر بالنزول إلى الحفرة لتعبئة الجرادل، أنه يقوم بتعبئة الإناء البلاستيكي، وتسليمه إلى شخص آخر خارج الحفرة، وهو بدوره يتولى تعبئة الجالونات للشخص صاحب الدور، بعد أن يتم تصفيف الأواني بالترتيب وفق الدور الذي يعتمد على أقدمية الحضور إلى المكان.
ويبين حسونة لـ "العربي الجديد"، أن "التعبئة يدوياً من داخل الحفرة مرهق، لكنه حل متوفر لمشكلة كبيرة تتمثل في عدم وصول المياه. كانت تمر أيام طويلة من دون الحصول على قطرة ماء واحدة، ما دفعنا إلى التعبئة من مياه البحر، ثم البحث عن مصادر المياه، والحفر للوصول إليها، ثم سحب المياه لحظة وصولها، وهي تصل كل ثلاثة أيام مرة واحدة إلى بضع ساعات محدودة".
ويلفت إلى الإرهاق الشديد الذي يصيب غالبية النازحين لتوفير متطلباتهم الأساسية، سواء ما يتعلق بصنع الخبز، أو توفير الطعام، أو حتى شحن الهواتف وبطاريات الإضاءة، لكنه يستطرد أن أزمة مياه الشرب وتلك اللازمة للاستخدام اليومي، تظل على رأس الأزمات، نظراً لانقطاعها الدائم بالتزامن مع الحاجة المتزايدة لها في ظل ارتفاع درجات الحرارة داخل الخيام ومراكز الإيواء.