كنت مجنداً في الجيش المصري أثناء فض اعتصام رابعة العدوية، وكانت خدمتي في وحدة عسكرية بالقرب من موقع الاعتصام، لم تشارك تلك الوحدة في الفض، لكن كنت شاهداً على عملية الشحن التي تتم للجنود والضباط ضد المعتصمين خاصة، وضد أي معارض لانقلاب عبد الفتاح السيسي بصفة عامة، والذي كان وزيراً للدفاع حينها.
اقرأ أيضا: صديقتي التي خسرتني في رابعة
أرصد هنا بعض مشاهداتي في نقاط مختصرة:
1- إن لم تقتلهم فسوف يقتلونك
كانت هذه القاعدة العامة التي نجح الجيش في نشرها في أوساط الجنود، أن هؤلاء المعتصمين يريدون قتلك وقتل كل منتسب للمؤسسة العسكرية والشرطية، وكان الاستشهاد بما يحدث لزملائهم في سيناء من قتل، وعلى الرغم من أن تلك العمليات كانت جماعة أنصار بيت المقدس، هي من تعلن مسئوليتها عنها، إلا أن الجيش كان ينسبها للإخوان، أيضاً كان ينشر ويبث في الجنود ما صرح به القيادي الإخواني، الدكتور محمد البلتاجي: أن ما يحدث في سيناء سيتوقف في اللحظة التي سيتراجع فيها الجيش عن الانقلاب وعودة مرسي إلى مهامه.
2- منع الجنود من الإجازة:
كل من دخل الجيش المصري، يعلم معنى الإجازة عند الجندي، وما يفعله حتى لا يحرم منها، تضطره أحياناً كثيرة للتنازل عن كرامته وإنسانيته والخضوع التام لأي أمر عسكري، إلا أن الجيش منع في تلك الفترة -بعد بدء الاعتصام- الإجازات عن معظم الجنود، وأصدر لهم خطاباً، مفاده، طالما الاعتصام لمْ يُفض، ستبقون في وحداتكم أو في الشارع.
3- التأصيل الشرعي للقتل:
كان استغلال الدين عاملاً أساسياً في التأصيل الشرعي لقتل المعتصمين، حتى يصل الجندي والضابط لقناعة، أنهم يخدمون دينهم ووطنهم وهم يقتلون، وأن ما يفعلونه حلال، وكان الجيش يعتمد على الشيخ علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، والمستشار الديني لوزير الدفاع آنذاك، وشيوخ آخرين.
حضرت أنا أحد لقاءات علي جمعة مع المجندين والضباط، وقال لنا صراحة "عندما نقتل واحداً من المعتصمين فإننا ننقذ مائة من الشعب، كان هذا الشخص سيقتلهم، وقال لنا "إن الإخوان خوارج هذا العصر، وعندما نقتلهم فإن الله وملائكته والرسول يؤيدوننا".
أيضاً كان قادة الوحدات يستغلون المساجد داخل المنشآت العسكرية بعد صلاة التراويح في شهر رمضان أثناء الاعتصام لإلقاء كلمات تشحن الجنود ضد المعتصمين.
اقرأ أيضا: رابعة.. "يوم ما الكون قفل فجأة"
4- استغلال حادثة مقتل ضابط في شارع البحر الأعظم:
قبل فض الاعتصام، كانت هناك مسيرة لأنصار محمد مرسي، في شارع البحر الأعظم، وأثناء سير ضابط جيش يرتدي زياً مدنياً بسيارته قرب المسيرة، تعمد دهس المتظاهرين، فقتل وأصاب منهم العشرات، وأثناء هروبه تمكنوا من القبض عليه فاكتشفوا بعد تفتيشه أنه ضابط جيش، فقتلوه، -هذه الرواية سمعتها من أحد المشاركين في المسيرة- هذه الواقعة كانت هدية للجيش استغلها في الترويج بين الجنود والضباط، أن الإخوان والمعتصمين يقتلون أي منتسب للجيش بناءاً على هويته، ونشروا في أوساطهم أن الضابط كان يسير بالقرب من مظاهرة للإخوان فقبضوا عليه وقتلوه، ومثلوا بجثته، فقط لأنه ضابط جيش، دون الإشارة إلى الجريمة التي ارتكبها، وحذرونا من الاقتراب من أي تجمع لهم، حتى لا يقتلونا، وتم تعميم منشور داخل نطاق المنطقة المركزية (القاهرة الكبرى) حذروا الجنود والضباط من ارتداء الزي العسكري في أي مأمورية أو أثناء نزول إجازاتهم.
5- تعميم أن الإخوان جماعة إرهابية قبل إدراجها رسمياً:
أعلن مجلس الوزراء أن الإخوان جماعة إرهابية، في 25 ديسمبر/ كانون أول 2013، بعد تفجير مديرية أمن الدقهلية، والتي أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس مسؤوليتها عنه، إلا أن الجيش كان يعتبر جماعة الإخوان "إرهابية" رسمياً في المراسلات والفاكسات المرسلة من وزارة الدفاع إلى الوحدات، منذ بداية أغسطس/ آب 2013، وكانت هذه المراسلات تدعو القادة إلى توعية الجنود، أن هذه الجماعة إرهابية، وبخطورة العمليات التي تقوم بها في سيناء، وأن ميدان رابعة به أسلحة ومتفجرات وانتحاريون ينوون تفجير كل منشأة عسكرية قريبة من مقر الاعتصام.
6- الترويج أنّ هناك فلسطينيين مسلحين داخل الاعتصام:
كانت الفاكسات التي تأتي من الأمانة العامة إلى وزارة الدفاع وموقعة من رئيس الأركان آنذاك الفريق، صدقي صبحي، تدعو قادة الوحدات لتحذير الجنود والضباط وتوعيتهم، وأنه يوجد، هناك، فلسطينيون، وعناصر أجنبية خطيرة، مسلحون، وانتحاريون، يحتمون بالإخوان، وأن هناك أسلحة وذخائر تم تهريبيها عبر الأنفاق من غزة، ووصلت للاعتصام وأن تلك الأسلحة سوف يقتلون بها عناصر الجيش والشرطة.
أيضاً جاء فاكس من هيئة عمليات القوات المسلحة تحذر كل الوحدات العسكرية من أن هناك 20 ألف جهادي هربوا من غزة ودخلوا مصر لتنفيذ هجمات ضد الدولة.
7- اختراق الاعتصام:
كانت المخابرات الحربية مخترقة الاعتصام بأفراد من عناصرها وتحديداً (المجموعة 75 مخابرات)، استخرجت لهم بطاقات رقم قومي بمهن مدنية، كموظفين في شركة كهرباء، أو صحافيين، وبعضهم أطلق لحيته، حتى لا يشك فيه المعتصمون، وكان هؤلاء يعودون إلى الوحدات العسكرية يروون للجنود والضباط، أنهم رأوا أسلحة ومتفجرات مع المعتصمين، وأنهم يقتلون أي ضابط أو عسكري يقبضون عليه بالقرب من الاعتصام، وأن قادة الإخوان مستأجرين شققاً بالقرب ميدان رابعة يمارسون فيها "نكاح الجهاد".
اقرأ أيضا: رابعة العدوية.. من يملك أرشيف المجزرة؟
(مصر)