كيف تشرح: ما الأدب؟

31 يوليو 2015
فاتح المدرّس/ سورية
+ الخط -

في كتابهما المشترك "نظرية الأدب" يملأ رينيه ويليك وأوستن وارين أكثر من عشرين صفحة للإجابة عن سؤال طرحاه على نفسيهما هو: ما طبيعة الأدب؟ وسوف يبقى القارئ حائراً، وهو ينتظر صفحة بعد أخرى أن يجد الجواب عن السؤال دون جدوى. فالناقدان يستمرّان في تكديس الفكرة بعد الأخرى من أجل القول في نهاية الفصل كله، إن الأدب هو الأدب.

ومثلهما لم يستطع سارتر أن يجيب عن هذا السؤال، على الرغم من أنه سمّى كتابه، الذي ترجم إلى اللغة العربية مرتين: "ما الأدب؟"، وانشغل بدل ذلك في تكريس شعاره الشهير الذي كان يحضّ من خلاله الكتّاب، وخاصة الروائيين من بينهم، على الالتزام بالقضايا الحيوية التي تعني القسم الأكبر من بني الإنسان.

وفي عام 1960، أقام المدّعي العام البريطاني دعوى ضد رواية "عشيق الليدي تشاترلي" للروائي د.ه. لورنس. كان الروائي قد توفّي قبل ذلك بثلاثين عاماً. وقد وجد القاضي نفسه أمام معضلة أدبية وأخلاقية، فمن جهة ثمة من يتهم الرواية بالإباحية والتجرّد من الأخلاق، ويطالب بمنعها من التداول، ومن جهة ثانية ثمة من يدافع عن حرية الروائي، ويقول إن المواد الإباحية في العمل الأدبي تتعدّى حدود طبيعتها المباشرة، وتوظف في أغراض ذات طبيعة فنية وفكرية.

وفي كل الأحوال، لم يستطع القاضي إصدار حكمه إلا بعد أن استدعى أكثر من خمسين شاهداً من الروائيين والنقّاد وأساتذة الجامعات، من بينهم ريموند ويليامز، وأي . أم. فورستر، وغراهام هو، وغيرهم من مشاهير بريطانيا في الأدب، لا ليقولوا له في ما إذا كانت المشاهد الإباحية في الرواية مناسبة أم لا، بل ليؤكدوا أن العمل الذي بين أيديهم من الأدب. أي أن القاضي قد طرح عليهم السؤال القديم: ما الأدب؟ (لقد بدا أن الأدب هو الذي سيحاكم في الدعوى)، أو كيف يمكن إثبات أن "عشيق الليدي تشاترلي" هي أدب، وليست نصاً في الإباحية؟

اللافت أن الشهود الخمسين قدموا آراء متباينة إلى حد بعيد في تقدير قيمة الرواية من جهة، وأسباب انتسابها إلى حقل الأدب، ولكنهم جميعاً عجزوا عن تقديم حجة نهائية يمكن لأي مرجع أن يستند إليها في تقرير انتساب النص إلى الأدب، وقد تقدّم الشهود ببيانات تساوي، بحسب إلفين كرنان في كتابه "موت الأدب" عددهم، وهي جميعاً تحمل التقدير للرواية وتدافع عن قيمتها الإنسانية.

ومنذ أيام، قرأ أحدهم نصاً قال إنه قصة قصيرة، وقد قيل للـ"كاتب" إن نصه ضعيف فنياً، وإن لغته رديئة، و خطابه الفكري مهلهل، غير أن أحداً من الحاضرين لم يقل له: هذه ليست قصة. أحسب أن السبب هو خوف الجميع من أن يسألهم بدوره: ما هي القصة؟

كان القديس أوغسطين يقول: ما هو الوقت؟ إن لم يسألني أحد عنه أعرفه، أما أن أشرحه فلا أستطيع. أعتقد أن متذوّقي الأدب هم الأكثر قدرة على تفهم هذا القول. فإن كنا لا نستطيع تعريفه، فنحن نعرفه جيداً.

المساهمون