استمع إلى الملخص
- يربط غاليانو بين أحداث تاريخية قديمة والحاضر، مشيراً إلى تأثير الاستعمار على تلوث المياه والجفاف في المكسيك، ويعبر عن استيائه من ثقافة النفايات والتشبث بالسيارات.
- يقترح غاليانو وجهة نظر بديلة للتعامل مع المشكلة، مؤكداً على الارتباط الحتمي بين الإنسان والطبيعة واستكشاف ثرائها وأشكال مقاومتها.
ماذا فعلتم بهذا الكوكب؟ ومن أي سوبر ماركت اشتريتموه؟ ومَن أعطاكم الحقّ في إساءة معاملتنا وإبادتنا؟ هذه بعض الأسئلة التي تُوجّهها إلى الجنس البشري "المحكمة العليا للحشرات والنباتات" التي تخيّلها الكاتب الأرغوياني إدواردو غاليانو (1940 - 2015) في كتابه "استخدمه وارمِه: كوكبنا، بيتنا الوحيد". صدر العمل لأوّل مرّة عام 1994، ولكنّ قضاياه وموضوعاته لا تزال راهنةً وتلامس عصرنا، ولعلّ هذا ما دفع دار نشر "Siglo XXI" في المكسيك إلى إصدار طبعة ثانية من الكتاب، بعد إضافة مجموعة من النصوص التي تتماهى مع روح العمل.
يضمّ الكتاب نصوصاً وشذرات متنوّعة كتبها صاحب "ذاكرة النار"، انطلاقاً من وعيه لما يحدث للحياة والموارد الطبيعية في المجتمعات المعاصرة، حيث يلفت الانتباه إلى أنّ الرأسمالية الجديدة، بعد أن قضت على مفهوم الإنسانية، من خلال تحويل كل شيء إلى سلعة مُستهلكة، انتقلت إلى المرحلة الثانية، وهي القضاء على الطبيعة.
ينطلق غاليانو في كثير من نصوصه وقصصه من أحداث تاريخية قديمة يربطها بالحاضر، فمثلاً؛ يرتبط تلوّث الماء أو فقدانه أو الجفاف الحادث في أكثر من منطقة في المكسيك، ارتباطاً ما، بعقلية الاستعمار القديمة. وهذا يذكّرنا بما فعله هيرنان كورتيس أثناء غزو المكسيك، إذ دمّر قناة المياه التي كانت تمتدّ بين تشابولتيبيك وتينوختيلان.
ويشير الكاتب في نصوصه إلى مجتمع النفايات السائد في أيامنا هذه، والذي يُنتج القمامة التي تُرمى في كلّ لحظة في البحار والأنهار والصحاري والغابات والأدغال والمدن والقرى النائية، كما يعبّر عن استيائه من ثقافة التشبّث بالسيارات، وترك وسائل النقل العام ووسائل النقل غير الملوّثة، مثل الدراجة، جانباً. وهذه الثقافة، مثلما يرى، لن تنتج إلّا الكوارث الطبيعية. ومع ذلك، سيتم، برمجة العقل البشري للتعامل مع الانهيارات القادمة، الإنسانية، والثقافية، والطبيعية، والأخلاقية كلّها، على أنها جزء من المنطق البشري.
يقترح إدواردو غاليانو في نصوصه وجهة نظر بديلة، وهي في الواقع ثابتة في أعماله كلّها، للتعامل مع المشكلة: إنّها ارتباط الكائن الإنساني الذي لا مفرّ منه مع الطبيعة، واستكشاف ثرائها وأشكال مقاومتها، داحضاً كلّ إصرار حضري و"حديث" على الاعتقاد بأنّنا قادرون على الاستغناء عنها.