كيف أغضبت "سودانية 24" جمهورها؟

22 يناير 2019
من برنامج حال البلد على قناة سودانية 24 (فيسبوك)
+ الخط -
يواصل ناشطون سودانيون شنّ حملتهم لمقاطعة قناة "سودانية 24"، نتيجةً لتحفظاتهم، كما يقولون، على طريقة القناة في تغطية الحراك الشعبي المناوئ لحكومة الرئيس عمر البشير، ودعوتهم إلى تنحّيه وتشكيل حكومة انتقالية بديلة. 

وقرر الآلاف من الناشطين سحب إعجاباتهم بصفحات القناة في مواقع التواصل الاجتماعي، تحديداً على "فيسبوك" و"يوتيوب"، مع إرسال بلاغات ضد القناة لإدارة فيسبوك، ونشر تعليقاتٍ داعية إلى المشاركة في الحملة، مرفقينها بوسم "#‏تسقط_بس‬‬".

واتّهم الناشطون، القناة، ببثّ مواد تدعو إلى قتل المحتجين السلميين، مستشهدين بحوار أجرته مع النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية، علي عثمان طه. كما هدد الناشطون بمقاطعة أي شركة تبث إعلانات لها عبر شاشة القناة. 



وبحسب تقصّيات "العربي الجديد"، فإن أكثر من 40 ألف متابع ألغوا إعجابهم بصفحة القناة على فيسبوك، فيما ألغى عدد آخر إعجابهم بصفحة مديرها العام، الطاهر حسن التوم، الذي ووجه في نفس الوقت بحملة سيبرانيّة اتّهمته بموالاة الحزب الحاكم وعدم الحيادية وإقصاء الرأي الآخر وتبني روايات ومواقف الحكومة حول الأحداث الجارية في البلاد. كما عمد آخرون إلى نشر مواد ورسومات ساخرة منه. 

وبدت القناة في الأيام الأولى للاحتجاجات السلمية أكثر حيادية، فاستضافت معارضين وناشطين بالتوازي مع استضافة مقرّبين من الحكومة، خصوصاً في برنامج "حال البلد" الذي يقدمه مديرها العام، لكنّ كثيرين يعتقدون أن ذلك الخط قد تغير تماماً في الأيام الماضية. 






وفي هذا السياق، يقول الصحافي ماهر أبو الجوخ، الذي عمل سابقاً كمنتج في قناة "سودانية 24" نفسها، إنّ "السبب الأساسي الذي دفع بعض الناشطين إلى تبنّي حملة المقاطعة، ناتج عن التعليقات الواردة في برنامج "حال البلد" الذي يقدمه مديرها العام، الإعلامي الطاهر حسن التوم، باعتباره يتبنّى الخط الحكومي بشكل كامل، ويمضي إلى أكثر من ذلك بالتشكيك في الحراك والمجموعات السياسية المشاركة فيها ورؤيتهم، من دون أن يمنحهم فرصة للإدلاء برأيهم أو تعليقهم، وهو ما يختلف حتى عن تغطية القنوات الأخرى التي يتجنب بعضها الإشارة إلى الأحداث، أو تكتفي فقط بإيراد الأخبار الرسمية"، مشيراً إلى أن هذه المعطيات جعلت قناة "سودانية 24" عملياً بمثابة رأس حربة الإعلام الحكومي والحزبي وحتى الأمني في الأحداث الراهنة. 

ويضيف أبو الجوخ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ تعامل القناة مع الأحداث ينطبق عليها ما ينطبق على الأجهزة الإعلامية السودانية الأخرى من قنوات وإذاعات وصحف في الظروف الراهنة التي تجابه ضغوطا ورقابة إضافية منذ اندلاع الحراك الشعبي، منتصف الشهر الماضي. ويُبيّن أنّ الفرق الجوهري في تغطية "سودانية 24" يتمثل في ما يورده الطاهر التوم في برنامجه ضمن تعليقه، إذ يقدم بعض الحقائق ويغفل جلها، للوصول إلى نتائج يريدها سلفاً، فضلاً عن تراجعه عن استضافة المعبرين أو حتى المتعاطفين مع المتظاهرين، واحتكاره وجهة نظر واحدة، مما جعل محتوى برنامجه منحازا، واتزانه مختلا وغير محايد مطلقاً، على حد قوله. 


ويتوقّع أبو الجوخ أن يكون للمقاطعة تأثير على القناة من عدة نواح، سواء على العائدات التي تحققها من المشاهدات على قناة "يوتيوب"، والتي تجني منها مبالغ مالية شهرياً بالعملة الأجنبية التي تعتمد عليها القناة في تغطية بعض جوانب التسيير المرتبطة بالمكون الأجنبي، بالإضافة إلى تناقص أعداد المشاهدين ومتابعيها على صفحات التواصل الاجتماعي، الذي سيفِقد القناة أحد عناصر تميزها على غيرها من القنوات السودانية، ويعطيها حيزاً معتبراً في سوق الإعلان المحلي، حسب تقديره. 

ويشير إلى أنّ معظم متابعي القناة منذ تأسيسها يصنَّفون عمرياً ضمن فئة الشباب، والذين هم في ذات الوقت يعدّون العماد الأساسي للحراك الشعبي الراهن في المدن السودانية، منوهاً إلى أن ذلك يفقد القناة رصيدها الفعلي والحقيقي لقاعدة انتشارها. 

ويُبيّن أن الذين تبنّوا خطوة المقاطعة هذه كانوا على علم مسبق بالتداعيات والخسائر الاقتصادية التي يمكن أن تتكبّدها القناة، بخلاف الجوانب المعنوية، "وهو إجراء احتجاجي مشروع ومتاح، فطالما أن المتلقي معترض على أداء الجهة الإعلامية المقدمة للخدمة فيجوز له حرمانها من الاستفادة المادية والمعنوية أو جني أي فائدة نظير متابعته لها"، مشيراً إلى أنه "لا يتفق مع مسلك البعض في تقديم بلاغات لإدارة "فيسبوك"، باعتبار ذلك تعسفاً غير مبرر، ولو تم باستغلال للقانون والإجراءات بوصفه تعديا على حقوق الآخرين وحقهم في التعبير". 



وفي دفاعه تجاه حملة المقاطعة، يؤكد المدير العام لقناة "سودانية 24"، الطاهر حسن التوم، أن خطّ القناة لم يتغيّر مطلقاً، وأنهم كانوا وما زالوا يهدفون إلى تغطية متوازنة، مشيراً إلى أن القناة ليست إخبارية ولا تملك مراسلين، لذا تتعامل مع أخبار المشهد بصعوبة بالغة في ظلّ تسارع الأحداث والضخّ المتزايد للمعلومات عبر السوشيال ميديا، وضعف وبطء الجانب الرسمي في توضيح ما يحدث. 

ويضيف لـ"العربي الجديد" أن فرزهم للأخبار في ظلّ الضعف العملي لماكينة الأخبار يجعلهم متأخرين ومترددين في نشر أخبار ترد إليهم عبر السوشيال ميديا، وأنه من الجهة الأخرى برز ضغط على القناة لتكون في موقف الحراك، عبر الاحتلال الكامل لصفحاتها على الوسائط من قبل مناصريه، وتطور الأمر إلى حملة مقاطعة وشتائم وإساءات شخصية. وأكد التوم أن "سودانية 24" لم تتورط في أية أخبار غير موثوق بها و"لم نتجاهل الحدث أو نتعامى عنه، وأن التظاهرات ظلّت في الشاشة بتفاعلاتها وبشكل يجعلنا أفضل من غيرنا بكثير"، على حد تقديره. 

ويوضح التوم أنه "تم تسريب مقاطع مجتزأة من حلقات برنامج "حال البلد" الذي يقدمه بغرض إيهام الرأي العام بأننا نقف ضد الحراك مدفوعين إلى ذلك بسبب انتماء سياسي أو أموال أو خلافه من رصاصات الاغتيال المعنوي التي استخدمت ضدنا"، منوهاً إلى أنّ أرشيف القناة هو الحكم علينا و"أنه شخصياً ظلّ حريصاً على إيجاد خط ينبه للمخاطر ويدفع نحو الحوار ويحافظ على كيان الدولة السودانية"، مضيفاً "كنت حريصاً على تنوير الرأي العام بالفاعلين والمستثمرين في المشهد، وهذا لم يعجب البعض، بينما كان المطلوب التركيز على جزء من المشهد.. على رسالة واحدة.. على رؤية واحدة... ومن هنا تم اعتبار ما نقوم به مداهنة ونفاقا، حتى ينصرف الجمهور عن سماع هذا الكلام". 

ويشدد مدير القناة على "وجود صعوبات تواجه عمل الإعلام تتعلّق بغياب الصوت الرسمي للحكومة أو صعوبة العثور عليه، فضلاً عن غموض كيان للفاعل الرسمي في الأحداث، وعدم معرفة رموزهم أو من هم "ربما معرّضون للملاحقات الأمنية"، لكن أخبارهم وأفعالهم كانت حاضرة لدينا". 

ويعيد التوم التأكيد على "تمتّع القناة باستقلالية كبيرة"، مشيراً إلى أنها "تعرّضت لحملات مكثّفة قبل ذلك، حينما اتُّهمت قبل شهور بأنها قناة فتنة من قبل مناصري الحكومة"، مما أدى إلى إيقاف برنامج "حال البلد" من قبل جهاز الأمن، وخضوعه شخصياً للتحقيق. كما تم اتهام القناة سابقاً بأنها "قناة إلحادية وعلمانية وتدعو إلى هدم ثوابت المجتمع"، وذلك بعد تسجيل برنامج "شباب توك" بالتعاون مع التلفزيون الألماني "دويتشيه فيلله".












المساهمون