فرض فيروس كورونا الجديد سطوته على احتفالات المغاربة بعيد الأضحى المبارك لهذه السنة، واضطرهم إلى التخلي عن عادات وتقاليد درجوا عليها، وذلك بالتزامن مع ازدياد المخاوف مع إعلان وزارة الصحة، الجمعة، عن تسجيل أعلى معدل يومي للإصابات منذ بدء تفشي الفيروس القاتل في البلاد، في 2 مارس/ آذار الماضي.
وكما كانت لعيد الفطر بالمغرب ملامح مختلفة في زمن كورونا، فإن عيد الأضحى هذه السنة كان له طعم وهوية مختلفان تماماً، إذ غابت صلاة العيد في المصليات والمساجد وساحاتها الخارجية، وما يرافق ذلك من أجواء روحية مفعمة بمعاني التلاحم والتضامن، ما ترك أثراً كبيراً في نفوس كثيرين.
وفيما كان، خلال السنوات الفائتة، مشهد الشوارع المكتظة بالرجال والنساء والأطفال في طريقهم لأداء صلاة العيد وأصوات تكبيرات العيد، تنطلق من مكبرات الصوت، أمراً مميزاً للعيد في المغرب، بدا المشهد مغايراً هذه السنة، بعدما أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية منع إقامة صلاة العيد في المساجد، وجواز إقامتها في المنازل دون خطبة.
"لعيد الأضحى مكانة كبيرة في قلبي، وخاصة الأجواء التي نعيشها في هذا اليوم المبارك أثناء صلاة العيد، التي فضلاً عن كونها عبادة هي أيضاً مناسبة للقاء الجيران والأصدقاء وعموم الناس، وتمتين العلاقات الاجتماعية، لكن الأزمة الصحية ومخاطر الإصابة في ظل ما يعرفه الفيروس من نشاط خلال هذه الأيام، حرمنا من كل ذلك"، يقول سعيد الزاهي، ويضيف في حديث مع "العربي الجديد": "حاولنا التعويض عن ذلك بإقامة صلاة العيد في البيوت ونحر الأضحية والمحافظة على عاداتنا وإن كان ذلك بالحدّ الأدنى، لكن ما يخيفني هو تراخي العديد من المواطنين في ما يخص تطبيق التدابير الاحترازية التي فرضتها السلطات".
ولما كانت لعيد الأضحى مكانة خاصة عند المسلمين في كافة بقاع العالم، فإن له في المغرب طقوسا وعادات خاصة، كما أنه فرصة لتبادل المعايدات والزيارات العائلية، وإحدى المناسبات القليلة في السنة للم شمل أفراد العائلة التي تفرق أبناؤها داخل البلاد وخارجها.
غير أنه، في ظلّ الظروف الاستثنائية الحالية، وجد المغاربة، خاصة من لم تسعفه التدابير الاحترازية في الانتقال لقضاء أيام العيد مع أسرته، أنفسهم مضطرين إلى ملازمة بيوتهم، والاكتفاء بالتواصل عبر الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي.
يقول سعيد النوري، الذي يعمل بإحدى الشركات بمدينة الرباط: "لأول مرة في حياتي أقضي عيد الأضحى بعيداً عن والدتي الموجودة بمدينة الدار البيضاء، فرغم قصر المسافة بين المدينتين، إلا أنني وجدت نفسي، بسبب قرار منع التنقل بين المدن، عالقاً بعيداً عن أهلي"، لافتاً إلى أن قرار منع التنقل، وإن كان صعباً عليه تقبله في البداية، إلا أنه اضطر للاستسلام للأمر الواقع، قبل أن يتابع "اليوم تابعت عن بعد عبر الواتساب عملية نحر الأضحية، ورغم أن جسدي كان غائباً، إلا أن روحي وقلبي كانا حاضرين".
ومع الانتشار المتزايد والكبير لفيروس كورونا في الأيام الماضية، حيث سجلت حصيلة قياسية للإصابات والوفيات، اتجهت الحكومة المغربية إلى اتخاذ إجراءات عديدة لمنع تفشي الجائحة على مستوى أكبر خلال هذه المناسبة الدينية، التي يقوم جوهرها على اللقاءات العائلية ولقاء الأصدقاء والاحتفالات، من خلال إصدار قرار منع التنقل بين 8 مدن رئيسة (طنجة، تطوان، فاس، مكناس، الدار البيضاء، برشيد، سطات ومراكش)، وذلك أخذاً بعين الاعتبار الارتفاع الكبير، خلال الأيام الأخيرة، في عدد الإصابات بفيروس كورونا في مجموعة من المحافظات.
وشرع المغرب، أخيراً، في المرحلة الثالثة من تخفيف قيود الحجر الصحي، لكن في ظل إجراءات وقائية، وفي مرحلة لاحقة، أطلق المسؤولون المغاربة تحذيرات بالتزامن مع توقع اللجنة العلمية الاستشارية الخاصة بفيروس كورونا الجديد بالمغرب، ارتفاع حالات الإصابة خلال عيد الأضحىوبعده.
وأوصت اللجنة، التي تضم عدداً من الأطباء والأساتذة المتخصصين في مجالات متعددة، بإجراء التحاليل المخبرية للسائقين المهنيين والجزارين، كما نصحت المواطنين بالتعامل مع الجزارين المرخصين لإعداد الأُضحية، إضافة إلى تجنب السفر والانتقال بين المدن قدر الإمكان، والتقليل من الزيارات العائلية خلال مناسبة عيد الأضحى.
كما دعا رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، المواطنين إلى عدم السفر خلال عطلة عيد الأضحى إلا للضرورة القصوى، لتفادي انتقال العدوى بفيروس كورونا، محذراً من الزيارات العائلية، التي تحمل معاني كثيرة لدى المغاربة، وشدد على أن "خطر الوباء قائم، وهو ما يتطلب تفادي السفر في عيد الأضحى، خصوصاً أن المناسبة تشهد ازدحاماً في المحطات الطرقية"، داعياً المغاربة إلى "الاكتفاء بالتواصل مع العائلة فقط عبر الهاتف خلال مناسبة العيد والمزيد من التضحية والصبر حتى يخرج المغرب منتصراً من الأزمة الصحية".
ومثلما أرخى فيروس كورونا بظلاله، خلال الأيام الماضية، على مهن موسمية مرتبطة بـ"العيد الكبير"، كشحذ السكاكين بالطرق التقليدية، وبيع الفحم وعلف الأغنام في الأحياء الشعبية، لم يكن حال مهن تنشط صبيحة يوم العيد أحسن، بعدما اصطدم سعي الشباب الممتهن لشي رؤوس الأضاحي وجمع جلودها وتجفيفها لكسب قوت يومهم في ظروف صعبة، بقرار سلطات عدد من المدن منع تلك المهن، خلافاً لما جرت عليه العادة في هذه المناسبة، وذلك في إطار الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، وتفادي التجمعات بالشوارع والأزقة.
وبالرغم من التحذيرات التي أطلقتها السلطات المغربية، إلا أن مظاهر التراخي وعدم التقيد بالإجراءات والتدابير الاحترازية المتعلقة بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات الواقية، كانت لافتة خلال احتفالات المغاربة بعيد الأضحى وفي تنقلاتهم.
وفي غمرة احتفال المغاربة بالعيد، أعلنت وزارة الصحة عن تسجيل أعلى معدل يومي للإصابات بفيروس كورونا، بعدما تم رصد 1063 إصابة جديدة بالفيروس خلال الـ24 ساعة الماضية، لتصل الحصيلة الإجمالية إلى 24322 إصابة منذ وصول الوباء إلى المغرب في مارس/آذار الماضي.
وقالت وزارة الصحة، في الإيجاز الصحافي اليومي حول الوضع الوبائي للفيروس في المملكة، إن الرقم الجديد يؤكد النسق العالي لانتشار الفيروس بين المواطنين.
وفيما أعلنت الوزارة أنه تم استبعاد 20 ألفاً و107 حالات خلال الـ24 ساعة الماضية، ليصل مجموع الحالات المستبعدة إلى مليون و228 ألفاً و43 حالة، تم تسجيل 76 حالة حرجة و10 حالات موضوعة تحت التنفس الاصطناعي.
وبالموازاة مع ذلك، سجلت 7 وفيات جديدة، ليصل المجموع إلى 353 حالة وفاة، فيما تم تسجيل 347 حالة تعاف جديدة، ليصل إجمالي حالات الشفاء إلى 17 ألفاً و658، بنسبة تعاف تناهز 78%.