شهد الأردن، في الأيام الماضية، انتكاسة وبائية أعادته إلى خانة المواجهة الأولى مع كورونا، رغم النجاح الذي تحقق في مواجهة الفيروس، وعدم تسجيل أيّ إصابة في بعض أيام يوليو الماضي
يسجل الأردن حالياً، ما بين 60 و70 إصابة بفيروس كورونا الجديد، وسط حالة من الارتباك في الوسط الحكومي في إدارة الأزمات، وتذمر شعبي تجاه ضعف الإجراءات في هذا الإطار، خصوصاً مع الإعلان بشكل يومي عن تسجيل ما بين 60 إلى 70 إصابة. ومع عودة تسجيل إصابات جديدة بالفيروس بشكل كبير، اعتبر البعض أنّ مردّ ذلك هو تراخي الحكومة في تطبيق الإجراءات اللازمة وأبرزها الثغرات الواضحة في متابعتها المعابر الحدودية والتي شكلت المدخل للانتكاسة الحالية، في وقت لم يعد فيه المواطنون يتقبلون المزيد من الحظر الشامل والجزئي وتعليق عمل المؤسسات أو إغلاق دور العبادة ويطالبون بوقف قانون الدفاع "الطوارئ" وغيرها من الإجراءات الأخرى، فيما تتهم الحكومة في كثير من الأحيان المواطنين بالإهمال، بالرغم من إدراكها مسؤوليتها عن الخلل، لكنّها لا تعترف بذلك بشكل مباشر.
ولمواجهة التقصير الحكومي، أوعز رئيس الوزراء الأردني، عمر الرزاز، بإجراء مناقلات بين الكوادر الإدارية والإشرافية العاملة في المراكز الحدودية بهدف تشديد الإجراءات ومنع التجاوزات، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ النجاحات الصحية التي حققتها الحكومة في بداية الأزمة كانت على حساب النواحي الاقتصادية، فقد قررت إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية في منتصف مارس/آذار الماضي ومنعت أيّ دخول أو خروج من أراضي البلاد وأخضعت المواطنين العائدين من الخارج للحجر الصحي.
يقول الخبير في الأخلاقيات الطبية والمهنية الدكتور هاني جهشان لـ"العربي الجديد" إنّ "الزيادة في عدد الإصابات المتوقعة بل حتمية، عاجلاً أم آجلاً، وهي ليست معياراً للفشل في التعامل مع الجائحة، فالإجراءات الصارمة في أول 4 أشهر أدت فقط إلى تأخير الزيادة الحتمية في عدد الحالات بثمن اقتصادي باهظ التكلفة، ومن السذاجة أنّ الأمر مخالف لمعايير علم الأوبئة أن يبقى الأردن في فقاعة حماية مغلقة للأبد". ويضيف: "عدم اعتبار ارتفاع عدد الإصابات فشلاً، لا يعني أنّ الحكومة ليست فاشلة وما قامت به تسبب في أزمة للمواطنين إن كان مقصوداً أو عن جهل أو فساد، فرئيس الوزراء عمر الرزاز متردد ولم يوصل رسالة حاسمة، فقد حاول طمأنة الشعب بأنّ العدد صفر أو تخفيض الإصابات هو نجاح وهذا مسار مخادع ليس له أساس علمي". ويتابع جهشان، أنّ "وزير الصحة أيضاً بتصريحاته الدونكيشوتية بأنّ عدد الإصابات صفر هو إنجاز، ترك انطباعاً لدى المواطن بأنّ الأردن انتصر على الوباء، وهذا أمر ساذج، وهذه الأمور من أسباب تراخي المواطنين بالالتزام باستعمال أدوات وسلوكيات الوقاية".
ويوضح جهشان أنّ وزير التربية والتعليم متردد وغير حاسم بتصريحاته حول نمط وأسلوب الدراسة. وهذه التصريحات تخلو من المعرفة العلمية وتفتقر للقدرة على التواصل الجيد مع المواطنين ومع الإعلام، وهذه أمور أساسية وضرورية لدى التعامل مع أمر حساس كالحق في التعليم والحق بالصحة لأطفال الأردن في زمن الجائحة خصوصاً. ويقول إنّ "التصريحات المتضاربة لوزير الصحة ووزير التربية والناطق الرسمي باسم لجنة الأوبئة ولرئيس الوزراء حول التعليم، مثلاً، وتسابقهم للظهور في وسائل الإعلام بمعلومات متناقضة كان أمراً مخزياً ويدلّ على الجهل واللامبالاة والفشل الإداري الجليّ، خصوصاً في موضوع خطير كهذا. أنا متابع لحقوق الطفل في التعليم والصحة في عدة دول عربية ولم أشاهد مثل هذه المهزلة".
ويرى جهشان أنّ منع وحجب العلماء في الأوبئة من إيصال المعلومات العلمية للمواطن وإصرار الوزير على أن يكون الواجهة الوحيدة بمرجعية حبّ الظهور والاستعراض، أدى إلى تشويش فكر المواطن حول الموضوع، ومع الوقت أدى ذلك إلى فقدان الثقة في الحكومة. ويقول إنّ تعديل سلوكيات المواطنين السلبية التي تلحق الضرر بالآخرين هي مسؤولية الحكومة، وهذا مبدأ مستقر في الصحة العامة وفي حقوق الإنسان، وما حصل هو أنّ الحكومة أصرت على أن تبرر إخفاقها بلوم المواطنين، وفي الواقع هي التي أخفقت في التوعية وفي وسائل الردع.
بدوره، يقول الكاتب الصحافي في جريدة الغد الأردنية ماجد نوبة لـ"العربي الجديد": "صحيح أنّ الأردن أدار الأزمة بنجاح في المرحلة الأولى من الناحية الصحية ولم تسجل إصابات كثيرة، لكنّ الآثار الاقتصادية السلبية كانت كثيرة وكبيرة، وما زالت تداعياتها مستمرة على المواطنين، وربما لا تقتصر هذه التداعيات على الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية". ويضيف أنّ تسجيل أعداد كبيرة من الإصابات في الفترة الأخيرة كان نتاج ارتكاب أخطاء من قبل موظفين يعملون في المعابر الحدودية مع سورية وأخطاء في المعبر مع السعودية، وعلى الحكومة الاعتراف بالإخفاق في اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة. ويرى توبة أنّ على الحكومة تطوير استراتيجيتها للتعامل مع المرض، فلا يمكن الاستمرار في إغلاق المطارات، ولا بدّ من فتح الحدود وعودة الحركة التجارية، وعلى الحكومة أن توازن ما بين التعافي الصحي والتعافي الاقتصادي. ويشدد على أنّه لا يمكن التضحية بالأوضاع الاقتصادية، لافتاً إلى أنّ الكثير من المواطنين فقدوا جزءاً كبيراً من دخلهم خلال الفترة الماضية، مما تسبب في اتساع المعاناة، وهناك أعمال تضررت، معتبراً تعطيل الحياة حلاً مؤقتاً غير ناجح. ويشير إلى أنّ التركيز يجب أن ينصبّ في الفترة المقبلة على اتخاذ الإجراءات الوقائية، خصوصاً التباعد الاجتماعي، واستخدام الكمامات، منوهاً إلى أنّ الحكومة لم تُدر الأزمة وفق خطة استراتيجية بعيدة المدى، واعتمدت على إجراءات سريعة كانت لها نتائج سلبية على شريحة واسعة من المواطنين.