كهرباء نووية أردنيّة

01 يونيو 2015
كلفة الطاقة ترهق الاقتصاد الأردني (Getty)
+ الخط -
وفقاً لإحصاءات حكومية، يستورد الأردن، الفقير في الموارد الطبيعية، نحو 97% من احتياجاته من الطاقة، بكلفة تعادل خُمس الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014، ونحو ثلث قيمة مستورداته، ويذهب أكثر من ربع هذا الوقود لتوليد الكهرباء. ومن المتوقع أن ينمو الطلب المستقبلي على الطاقة بوتيرة أسرع مع دخول الأردن مرحلة جديدة من التحوّل الديمغرافي السكاني، إذ إن 38% من الأردنيين هم دون الـ15 عاماً.

ليس فقط النمو السكاني، وحده، القادر على زيادة نمو الطلب على الوقود، ولكن، أيضاً، الحاجة لصناعات جديدة تُسهم في توفير فرص عمل لشريحة كبيرة من الشباب، وتلبية تطلعات الطبقة الوسطى للحداثة وأنماط الحياة العصرية، وهي تشكل عوامل ضغط إضافية.

في السنوات الأخيرة، أصبح الأردن من بين أكبر المستضيفين للاجئين في العالم، نظراً لموقعه الجغرافي في مركز الأزمات في المنطقة، فهو يستضيف ما يزيد عن 600 ألف لاجئ من سورية، فضلاً عن عشرات الآلاف من العراقيين، وبضعة آلاف من جنسيات أخرى، إضافة إلى عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين. وهذا الواقع يفرض نفسه بديهياً على صعيد الطاقة، من حيث ارتفاع الطلب في مقابل الحاجة إلى التفكير باستراتيجات طاقوية مستدامة.

تتوقع وزارة الطاقة الأردنية، بحلول عام 2020، أن ينمو الطلب الكلي على الطاقة أكثر من 50%، وأن ينمو، كذلك، الطلب على الكهرباء بنسبة 70%. تلبية تلك الاحتياجات خلقت مناقشات سياسية شديدة الضراوة. فمن ناحية، سعت هيئة الطاقة الذرية الأردنية إلى برهنة أن الطاقة النووية هي السبيل الوحيد للخروج من مشاكل الطاقة في الأردن. ومن ناحية أخرى، يقول المعارضون للبرنامج النووي، الذين يشكلون تحالفاً من السياسيين والناشطين في مجال البيئة وعدد من العلماء النوويين البارزين، والمسؤولون الذين انشقوا عن البرنامج ذاته، بأن الهيئة قد أساءت إدارة البرنامج عن طريق تهميش البدائل، والتستر على التكاليف والمخاطر الحقيقية للبرنامج النووي.

هناك من يرى أن الكثير من التكاليف الخفية، المرتبطة ببناء المفاعل النووي، لم يتم الحديث عنها على الإطلاق، بما في ذلك تكاليف التأمين، ونسبة الفائدة على القروض اللازمة لتمويله، والثمن الباهظ لوقف تشغيله، وكلفة التخلّص من النفايات النووية. وهناك، أيضاً، من يعتقد أن الكهرباء المتولّدة من الطاقة النووية سوف تكون أكثر كلفة من 11 سنتاً لكل كيلوواط، وهو بالتالي، مشروع سيرهق الأردن بالديون خلال السنوات التي تلي إقامة البرنامج. على الجانب الآخر، فإن مؤيدي البرنامج يرون بأن منتقديهم ليسوا على دراية واسعة بالصناعات النووية، وأن انتقاداتهم غير علمية. وهم يجادلون بأن كافة التكاليف التي تم ذكرها قد جرى تضمينها في الاتفاقية الموقعة مع الجانب الروسي قبل أيام، بكلفة إجمالية تصل إلى 10 مليارات دولار، وأن الحكومة لم توقع على اتفاقية لا تحميها من تكاليف إضافية ناجمة عن عوامل خارجية. رغم ذلك، فإن معارضي المشروع قد وجدوا حلفاء أقوياء لهم، بما في ذلك في البرلمان الأردني.

في الواقع، قد لا تكون الطاقة النووية أفضل طريقة للخروج من مأزق الطاقة في الأردن، لكنها الطريقة الفعلية الوحيدة، ذلك أن واردات الوقود الأحفوري لا يمكن الاعتماد عليها، فالأسعار متقلّبة، في ظل حالة عدم الاستقرار التي لا تزال تسيطر على المنطقة. أما النفط الصخري الأردني، فهو واعد، لكنه مُلوِّث للبيئة على نطاق واسع، إذ يحتوي على نسب عالية من اليورانيوم، وبالتالي، يطلق، عند حرقه، كميات غير معروفة من الإشعاعات الضارة، إضافة إلى انبعاث الضباب الدخاني وثاني أكسيد الكربون.

للطاقة النووية فوائد هامة، حيث يمكن استغلال الفائض من الطاقة الكهربائية، التي يتم توليدها، في تحلية المياه بكلفة متدنية جداً، ويمكن التزود بوقود المفاعل النووي من خلال دول مستقرة سياسياً، إضافة إلى أنها طاقة منخفضة الكربون. لكن قبل أن يسعى أي بلد للحصول على الطاقة النووية، ينبغي أن تكون العناصر الأساسية متاحة لديه، من المال اللازم لبناء المفاعل، والخبرة لتشغيله بأمان، واليورانيوم للحصول على الوقود، ومياه وفيرة للتبريد، وقدر معقول لحماية المشروع من العابثين... وليس لدى الأردن أي من هذه العناصر.
(خبير اقتصادي أردني)
المساهمون