كهرباء لبنان

03 سبتمبر 2014
الكلّ "يعلّق" على شبكة جيرانه (رمزي حيدر/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
هو يوم متعِب للحاجة أم زكريا. انتظرت أسبوعاً كاملاً، حتى تُدبّر موعد خضوعها لصورة الرنين المغناطيسي. تعاني الحاجة أوجاعاً مستمرة، لا تتمكن حتى من تحديد أماكنها. والطبيب الذي شكّ بإصابتها بالديسك، في فقرات ظهرها السفلى، طلب صورة، زادتها ألماً.

شربت قهوتها المرّة. ارتدت ثوبها. وفي الشقة التي تستأجرها العائلة، في الدور التاسع، انتظرت ابنها الذي أوصلها إلى المستشفى في الموعد المحدد، ظهراً.

هناك تحملت وقت الانتظار الطويل، قبل الصورة. وتحمّلت أكثر التمدد داخل الآلة، لأكثر من نصف ساعة. ودارت بها الغرفة بعد خروجها. فكأنّها عادت من عالم آخر، موازٍ. رجعت أم زكريا، بعدها، كما جاءت، برفقة ابنها.

في الحيّ، كان الجميع منشغلاً بمحطة التغذية الكهربائية الرئيسة. لم تتحمل كلّ التمديدات غير الشرعية عليها، فاحترقت قوابسها الأمّ، ببساطة. بساطة المنطق التي تغاضى الجميع عنها، قبل الانفجار. فالكلّ "يعلّق" على شبكة جيرانه، في الأحياء الأخرى. وشركة الكهرباء، لا بدّ ستصلح أيّ ضرر، في حال حدوثه.

أيّ شركة كهرباء أساساً؟ بل أيّ كهرباء؟ تلك التي لا تتجاوز ساعات وصولها إلى المنازل، في أفضل الأوقات، 14 ساعة يوميا؟ أم اضطرار السكان الدائم، للاشتراك في مولد كهربائي خاص، تصل كلفته لكلّ خمسة "أمبيرات" إلى 150 دولاراً، ويتصاعد السعر كلما انقطعت كهرباء الدولة أكثر؟

اتصل السكان بـ"كهرباء لبنان" الغارقة في مشاكلها، مع موظفيها المياومين. جاء الموظفون، عند الثالثة من بعد الظهر. اطلعوا على أحوال المحطة. جربوا مرة، واثنتين، وثلاثاً، فانبعث الحريق مجدداً. وفي الرابعة ارتأوا أن يقطعوا الكهرباء نهائياً، بانتظار صيانتها... لاحقاً.

سهر الشبان في المقاهي، وشوارع الحي. فالأعمدة مُنارة، عكس الأبنية السكنية. خطّط كثر لسرقة الكهرباء من الأعمدة، كإجراء احتياطي لاحق، بينما ينفثون دخان نراجيلهم. أما صاحب المولّد الكهربائي، فقد فضح نفسه، على وقع مطالبات السكان له بتشغيله.

تبيّن أنّه، يمدّ اشتراكاته، على خطوط المحطة المحترقة، نفسها. فلا يمكنه تشغيل مولده، إلاّ عند منتصف الليل. في الوقت الأصلي لتقنين كهرباء الدولة، كي لا ينفجر بدوره.

رضخ السكان. وأمضوا ليلة ظلام كامل، حتى في المقاهي. وعندما وصلت أم زكريا، أوائل المساء، انتظرت طويلاً ما يمكن أن يحدث. فأيّ سلالم يمكنها أن تصعد، وصولاً لتاسعها المعلق في السماء!؟ انتظرت فرجاً قد يأتي من السماء، لا من مولّد ولا من شركة كهرباء.
دلالات
المساهمون