استمع إلى الملخص
- **تأثير نقص النظافة على الصحة**: يواجه النازحون مشاكل صحية خطيرة مثل تسوس الأسنان، التهابات الجلد، وأمراض الجهاز التناسلي، خاصة بين النساء والأطفال.
- **القيود الإسرائيلية وتفاقم الأزمة**: تفرض إسرائيل قيوداً مشددة على دخول المساعدات، مما يؤدي إلى تفشي الأمراض الجلدية والوبائية ويزيد من معاناة النازحين.
لا تملك الغالبية العظمى من النازحين في قطاع غزة أياً من أدوات النظافة التي فقدوها في منازلهم المدمرة، أو تركوها حين اضطروا إلى المغادرة تحت القصف، أو بعد أوامر الإخلاء الإسرائيلية.
يعيش أكثر من مليونَي فلسطيني في قطاع غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي حالة من النزوح المستمر، فبعضهم اضطر للنزوح مرة واحدة على الأقل، وأخرون وصل عدد مرات نزوحهم إلى أكثر من عشر، وجميعهم لا يزالون يواجهون الأمراض المعدية وسوء التغذية، ويعانون من تفاقم التلوث في ظل عدم توفر الوسائل الأساسية للنظافة الشخصية، وعلى رأسها المياه.
وهناك نقص حاد في أدوات ومستلزمات النظافة في أنحاء غزة في ظل إغلاق المعابر، وعدم السماح بإدخال الكثير من البضائع والمستلزمات المعيشية. في المرة الأخيرة التي دخلت كميات من مستلزمات النظافة إلى القطاع كانت منتجات إسرائيلية، ما اعتبره كثيرون تعمداً لاستفزاز السكان، ووصفته مؤسسات حقوقية محلية بأنها "محاولة لتكريس حرب الإبادة الجماعية".
من بين أبرز الأشياء التي لا تتوفر في قطاع غزة الصابون وغيره من مستحضرات تنظيف الجسم والشعر، للكبار والصغار، وكذلك مسحوق غسيل الملابس، والفوط الصحية للإناث، وحفاضات الأطفال التي بات كثيرون يستخدمون أكياس النايلون بدلاً منها.
يعاني يوسف العوضي (37 سنة) أزمة يومية لإيجاد مستلزمات النظافة، إذ كان يصف نفسه قبل العدوان الإسرائيلي بأن لديه "وسواس نظافة"، وهو حالياً لا يملك أدنى المقومات، حتى لغسل وجهه في الصباح، وفي بعض الأحيان لا تتوفر لديه سوى زجاجة مياه صغيرة طوال اليوم.
يستخدم كثيرون أكياس النايلون بدلاً من حفاضات الأطفال والفوط الصحية
يتوجه يوسف إلى البحر كبديل وحيد متاح لعدم توفر وسائل النظافة، وفي بعض الأحيان لا يستطيع استخدام مياه البحر التي تكون ملوثة بسبب مياه الصرف الصحي، فيحاول الوصول إلى مناطق أخرى يعتقد أن المياه فيها نظيفة، لكن ذلك غير متاح دائماً مع تكرار تضييق "المنطقة الآمنة"، خصوصاً بعد التضييق الأخير على مساحة "المنطقة الإنسانية".
يقول العوضي لـ"العربي الجديد": "كل صباح أجد صعوبة في الحصول على مياه لغسل الوجه، كما لا يوجد لدينا أي نوع من الصابون، وهذا أمر لم أعتد عليه مطلقاً في حياتي، ولا يوجد معجون للأسنان، وقد لا أجد فرشاة جديدة، وإن وجدتها أضطر لغسل أسناني من دون معجون. أفرح كثيراً عندما أحصل على زجاجة مياه، لكني لا أجد مستحضرات لغسل الجسم أو الشعر، واستخدام مياه البحر المالحة يضر بالجسد. حتى عندما نتناول الطعام الشحيح للغاية، والذي نحصل عليه بصعوبة، لا نجد ما يمكننا غسل أيدينا به، أو غسل الأطباق".
يضيف: "في كثير من الأوقات يمنع الاحتلال دخول أدوات النظافة، بحثت طويلاً عن شامبو لطفلتي التي يبلغ عمرها ثلاث سنوات ولم أجده، في بعض الأحيان نحصل على كميات من المستحضرات التي لا نعلم مصدرها، بعضها يتسبب في حساسية أو مشكلات بالجلد، قبل فترة استطعت الحصول على قطعتين من الصابون، وكنت أستخدمهما في كل شيء تقريباً، لكنني أبحث عن المزيد منذ أيام ولا أجد شيئاً".
ويعاني كثير من النازحين من تسوس الأسنان نتيجة النقص الحاد في مستلزمات نظافة الفم، وخصوصاً الأطفال، مع محدودية تواجد عيادات الأسنان. بحثت سامية العريف (30 سنة) عن معجون أسنان لعائلتها، ولم تجد، وتتذكر أن آخر معجون أسنان حصلت عليه كان قبل شهرين، وكانت تقتصد بشدة في استخدامه حتى يكفيها مع ابنتها وزوجها لأطول فترة ممكنة.
تقول العريف لـ"العربي الجديد": "ابنتي سما عمرها خمس سنوات، تعاني من تسوس الأسنان، وأنا أعاني من آلام في أسناني أيضاً، ونحاول تخفيف الألم عن طريق استخدام القرنفل إن توفر، لكننا عادة لا نجده. الكثير من أدوات النظافة غير متوفرة، وفي بعض الأحيان أحصل على كمية من الشامبو، فأقوم بخلطه مع المياه حتى يدوم لفترة أطول، ولا يكون مفعوله مؤثراً على جسد ابنتي كون بشرتها حساسة".
ويقول زوجها نادي العريف (32 سنة) إنه حصل على كمية من الشامبو قبل شهر، وكانت تستخدمه العائلة بالكامل، وكانوا يستخدمون القليل حتى يكفي لأطول فترة، مضيفاً: "كان المنتج مستفزاً لي لأنه من المنتجات الإسرائيلية التي فرضها الاحتلال علينا، لكننا في الوقت نفسه لا نملك رفاهية الاختيار، كما لا توجد مواد لغسل الصحون أو غسل الملابس، وكانت زوجتي في بعض المرات تستخدم قليلاً من الشامبو في تنظيف الأواني، وحين نفدت محتويات الزجاجة شعرت بحزن كبير لأنني لم أستطع تعويضها، فالمتوفر قليل للغاية، وسعره في السوق باهظ، فمن يبيعونها عائلات تريد أن تشتري طعاماً بثمنها".
ويوضح لـ"العربي الجديد": "نعيش في سلسلة متكررة من المعاناة، أبحث يومياً عن مستلزمات النظافة، ولا أجد إلا بسعر مرتفع، وأنا عاطل عن العمل منذ بداية العدوان، إذ دمر الاحتلال متجرنا في سوق البلد بشارع عمر المختار، وفي غالب الأحيان لا أتناول سوى وجبة طعام واحدة في اليوم".
وتؤكد مؤسسات حقوق إنسان في قطاع غزة أن جيش الاحتلال يمنع إدخال المساعدات المعيشية الأساسية إلى القطاع عبر استمرار فرض الحصار التعسفي، كما يمنع دخول مستلزمات وأدوات النظافة التي لا غنى عنها، والأدوات الصحية مثل الحفاضات ومواد التعقيم.
وذكر مركز الميزان لحقوق الإنسان، أن سلطات الاحتلال كانت تمنع طوال سنوات الحصار الماضية مئات الأصناف التجارية من دخول قطاع غزة مدعية احتواءها على مواد كيميائية قد تدخل في صناعات عسكرية، معتبرة أن ذلك التبرير الواهي يسمح بإخضاع السكان لظروف معيشية قد تؤدي بهم الهلاك ضمن سياسة العقاب الجماعي، ومؤخراً وسع الاحتلال من القيود على دخول المستلزمات رغم ظروف عيش النازحين، والاكتظاظ الكبير في مناطق التجمعات، ما أدى إلى تفشي الأمراض الجلدية المعدية، ومرض الكبد الوبائي وغيره.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن نحو 680 ألف امرأة وفتاة في سن الحيض في قطاع غزة لا تتوفر لهن احتياجات النظافة الشخصية الضرورية الخاصة بهن، إلى جانب عدم تمكن غالبيتهن من الوصول الكافي إلى المياه، واضطرارهن استخدام المراحيض المشتركة، التي يشترك فيها مئات النازحين.
وتؤكد طبيبة النساء والولادة، علياء النجار، أن النساء النازحات يستخدمن يومياً مواداً ملوثة أو غير معقمة، مما يعرضهن لخطر الإصابة بكثير من الأمراض، بما في ذلك سرطان الرحم، والتهابات الجهاز التناسلي والمسالك البولية، كما يتكدس مئات آلاف النازحين بمراكز إيواء وخيام تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الصحية والرعاية الطبية، إلى جانب مخاطر تراكم النفايات، وغرق الطرق بمياه الصرف الصحي نتيجة عدم القدرة على تصريفها.
وتلاحظ النجار استخدام بعض الإناث عدداً من أدوات التنظيف، ومنها الفوط الصحية، لفترة أطول مما هو مسموح بسبب إدراكهنَّ عدم توفر المزيد منها بسهولة، ما قد يشكل خطراً على صحتهن، وتؤكد أنها عالجت عدداً من المصابات بالتهابات لهذا السبب، كما تحذر من مواد التنظيف التي يتم تصنيعها داخل القطاع بطرق بدائية وغير آمنة، وهي موجودة في الأسواق، حتى أنها غالية الثمن، كما تُستخدم صبغات ومواد غير صحية في صناعة معقمات أو بدائل الصابون، واستخدامها يضر كثيراً، خصوصاً بالأطفال والنساء.
تقول النجار لـ"العربي الجديد": "هناك عدد من النقاط الطبية في تجمعات النازحين، وسجلنا آلافاً من حالات الإصابة بالأمراض الجلدية، وعلى رأسها الأكزيما التي تظهر بشكل ملحوظ على أيدي النساء ممن يعملن على تنظيف أواني الطعام بمواد غير آمنة، ومنهن من يستخدمن المياه المالحة أو غير النظيفة. معدلات الإصابة بالأمراض الجلدية بسبب عدم توفر أدوات النظافة خطيرة، وبات الطفح الجلدي والالتهابات منتشرة بين كثيرين". تتابع: "هناك نساء يعانين من أمراض جلدية في المناطق التناسلية، وللأسف، كثيرات منهن لا يدركن مدى خطورة هذه الأمراض التي يحتاج علاجها إلى توفر أدوات النظافة العادية، لكنهن لا يجدنها، وبعضهن لا يمكنهن الوصول إلى حمام نظيف، ولا يستطعن الاستحمام بسبب الاكتظاظ، أو العيش داخل الخيام، كما أن الرجال والأطفال أيضاً لا تتوفر لهم أدوات النظافة الشخصية".