يسيطر التوتر على المستثمرين في الاقتصاد الإسباني، خصوصاً بين حملة سندات الدين المصدرة من قبل السلطات المحلية في إقليم كتالونيا، وتزيد حالة القلق بعد الإعلان عن تجميد العديد من المشاريع، وسعي بعض الشركات المالية إلى نقل مقارها من برشلونة.
وقالت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، إن كمية الأموال التي سحبها المستثمرون من سوق المال الإسباني خلال الأسبوع الماضي، تعد الأكبر منذ نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2014.
وأشارت إلى أن الصناديق الأجنبية المستثمرة في البورصة الاسبانية سحبت نحو 229 مليون دولار من سوق الأسهم الإسباني. كما خسر مصرفان من بين أكبر المصارف في اسبانيا حوالى 3 مليارات يورو منذ بدء الأزمة.
ويحدث هروب المستثمرين من السوق الإسباني، وسط المصير المجهول للإقليم الأغنى في إسبانيا، في أعقاب الاستفتاء العنيف الذي صوت فيه مواطنو كتالونيا بنسبة تقارب 90% لصالح الانفصال في تحد للحكومة المركزية في مدريد.
يذكر أن إسبانيا دخلت في حالة من الفوضى منذ الأسبوع الماضي، وسط احتمال إعلان قيادات إقليم كتالونيا الاستقلال بعد غد الإثنين، على الرغم من أن المحكمة العليا في إسبانيا أمرت يوم الخميس بتعليق النظر في قرار الاستقلال.
ونسبت صحيفة البايس الإسبانية (الطبعة الإنكليزية) في عددها اليوم الجمعة، إلى رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي قوله، لن تكون هنالك مفاوضات مع السلطات الكتالونية ما لم تلغ مشروع إعلان الاستقلال من جانب واحد والعودة للشرعية.
من جانبه قال رئيس حكومة إقليم كتالونيا، كارليس بيغديمونت، إنه لا يخطط لانفصال "صادم" مع إسبانيا، بل يرغب في تفاهم جديد مع الحكومة المركزية في مدريد في أعقاب استفتاء الاستقلال الأحد الماضي. لكن الحكومة الإسبانية ترفض تماماً حتى الآن أي مفاوضات حول الاستقلال أو الاستفتاء.
وسط هذه الفوضى يسيطر التوتر الشديد على مجتمع المال والاستثمار في إسبانيا، خاصة المستثمرين الأجانب والشركات العالمية الكبرى التي تتخذ من برشلونة مقار لعملياتها.
وحسب صحيفة "فاينانشال تايمز"، فإن مصرفين من كبار المصارف في إسبانيا قررا نقل مقارهما خارج مدينة برشلونة، عاصمة كتالونيا. إذ قرر كل من مصرف "بانكو دي ساباديل"، ثاني أكبر المصارف الإسبانية نقل مقره من برشلونة، كما قرر مصرف "كاياكس بانك"، كذلك الانتقال من المدينة الكتالونية.
وحسب صحيفة البايس، فإن الحكومة الإسبانية سهلت للشركات المالية الكبرى وغيرها، الانتقال من برشلونة إلى المدن الإسبانية الأخرى، خاصة العاصمة مدريد. وحسب مؤشرات البورصة الإسبانية هبطت قيمة السندات الكتالونية، خلال الأسبوع بحوالى 236 نقطة مئوية، أي حوالى 2.36%.
ويقول وزير الاقتصاد الإسباني لويس دي غويندوس، في لقاء مع رويترز يوم الخميس، إن الاستثمارات في منطقة شمال شرقي إسبانيا أصيبت بالشلل، إذ تم تجميد خطة بيع حصة بنسبة 7% من مصرف "بانكيا" الذي تملكة الحكومة المحلية لإقليم كتالونيا.
وذكر دي غويندوس في لقائه مع رويترز، أنه "مقتنع أن المستثمرين الأجانب أو المحليين لن يضعوا أموالاً في أي مشروع استثماري قبل أن تحل هذه الأزمة". ويرى وزير الاقتصاد الإسباني أن أزمة كتالونيا لم تؤثر على الاقتصاد الإسباني حتى الآن، ولكنها باتت مقلقة للمستثمرين.
ويقول في هذا الصدد: "حتى الآن ليس هنالك أية تداعيات للأزمة على الاقتصاد الإسباني، وأن البيانات الأولية إيجابية تشير إلى أن الاقتصاد الإسباني يحقق نسبة نمو قوية".
ولكن عادة لا تظهر الآثار الاقتصادية إلا بعد مرور فترة، لكن هروب المستثمرين من الأسهم والسندات السيادية حالياً، هو أكبر مؤشر على أن أزمة كتالونيا، إن لم تحل فستكون لها آثار وخيمة على النمو الاقتصادي ومعدل الوظائف.
لكن الوزير الإسباني يعترف أن القلق الاقتصادي يتزايد من أزمة كتالونيا. وقال إن "هنالك قلقاً كبيراً بين المستثمرين من أزمة كتالونيا".
وتعد كتالونيا من أهم الأقاليم الاقتصادية في إسبانيا، حيث إنها الإقليم الأكبر جذباً للاستثمار الأجنبي، خاصة في قطاعات السياحة والمصارف والصناعة.
وكان الإقليم الغني صمام الأمان للاقتصاد الإسباني من الانهيار إبان أزمة اليورو، التي كادت تعصف بالاقتصاد الإسباني.
ويرى الاقتصادي الإسباني البروفسور ألاين سوينسا غارسيا، أن انفصال كتالونيا سيكون مؤلماً للاقتصاد الإسباني الذي يجاهد للحاق بركب اقتصادات شمال أوروبا المتقدمة، خاصة وأن مقاطعة كتالونيا من أكثر المقاطعات تقدماً في إسبانيا، كما أن مدينة برشلونة تعد من أكثر المدن جذباً للسياحة والأعمال التجارية الكبرى والبنوك العالمية.
وتشير إحصائيات "يورو ستات" إلى أن الاقتصاد الإسباني البالغ حجمه 1.232 تريليون دولار، حقق نمواً بنسبة 3.2% عام 2016، كما نما بنسبة 0.7% في الربع الأول من العام الجاري ومن المتوقع أن ينمو بنسبة 3.0% خلال العام الجاري.
وهو بهذا الحجم يعد رابع اقتصاد في الاتحاد الأوروبي ويحتل في الترتيب العالمي الرقم 13 بين الاقتصادات المتقدمة. وهو بهذا المعدل من النمو الاقتصادي في طريقه للخروج من الأزمة، رغم نسبة البطالة المرتفعة، وسيكون من الصعب عليه تحمل هزة انفصال أحد أهم الأقاليم.
وتعد كتالونيا أغنى مقاطعات إسبانيا البالغة 17 مقاطعة، حيث يعادل حجم اقتصادها، حجم الاقتصاد البرتغالي، ويمثل نسبة 17% من إجمالي الاقتصاد الإسباني المقدر بنحو 1.232 ترليون دولار. وتساهم المقاطعة سنوياً بحوالى 267 مليار دولار في الدخل الإسباني العام، حسب إحصائيات يورو ستات لعام 2016.
ويقول البروفسور ألاين سوينسا غارسيا، من جامعة سارغوسا الإسبانية، إن الانفصال ستكون له تداعيات سلبية على كل من إسبانيا ومقاطعة كتالونيا على حد سواء. ويقول في تعليقات نقلتها قناة "سي إن بي سي"، الأميركية" إن إقامة حدود بين المقاطعة وإسبانيا سيقود تلقائياً إلى فقدان بعض الوظائف للجانبين وخسارة جزء من الدخل".
لكنْ اقتصاديون آخرون يرون أن خسارة الجانبين لن تتوقف عند هذا الحد وإنما ستمتد إلى الضرائب والتعرفة الجمركية ومستقبل الإقليم في الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن أزمة استقلال كتالونيا تأتي في وقت تواصل فيه الحكومة الاسبانية تمويل العجز في الميزانية عبر إصدار سندات سيادية وبيعها للمستثمرين، وبالتالي فهي في أمس الحاجة إلى الثقة حول المستقبل الاقتصادي والاستقرار السياسي في البلاد.
ومن بين القضايا المعقدة جداً التي ستواجهها المقاطعة في حال الانفصال وتكوين دولة مستقلة، قضية الدين العام الإسباني، وكيفية حساب حصة كتالونيا من هذا الدين.
أما القضية الثانية وهي الأهم، فهي مستقبل الدولة المستقلة الجديدة في أوروبا. وحسب الدستور الأوروبي فإن عضوية الدولة الجديدة لا بد أن تقبل بالإجماع. وفي حال نشأت "دولة كتالونيا" المفترضة، فإن إسبانيا والعديد من دول الاتحاد سترفض عضويتها.
وبالتالي فإن الانفصال ستكون عواقبه وخيمة على المستثمرين الأجانب في إسبانيا والتدفقات المالية الخارجية التي تعد ذات أهمية كبرى في خلق الوظائف، وإنعاش عجلة النمو ستكون له تداعيات خطيرة على الاقتصاد.