كتابة خارج الطوق الأكاديمي

01 سبتمبر 2016
(من ساحة الكتّاب في بلفاست، إيرلندا، تصوير: آرد فارن)
+ الخط -

هل التكوين الأكاديمي شرطٌ ليصبح أحدهم كاتباً مرموقاً؟ سؤال قد نردّ عليه بالإيجاب مع بقاء الأكاديميين مهيمنين على الملتقيات والندوات المعنية بالأدب، غير أن النظر بشكل أوسع يؤكد خلاف ذلك.

بداية، هل احتاج كبار رموز الثقافة العربية الإسلامية مثل الجاحظ والتوحيدي وابن حزم وابن خلدون وغيرهم إلى مؤسسة جامعية ترعاهم كي ينجزوا ما أنجزوه؟ وإذا استحضرنا في عصرنا الحديث أسماء من قبيل عباس محمود العقاد وزكريا تامر ومحمد شكري وحنا مينة أو غيرهم ننتهي إلى أنّ النجاح الأدبي كان حليفَهم من دون أن يتدرّجوا في أسلاك الدراسة الجامعية.

فهل يعني ذلك - على النقيض من الرأي الأول - أن أكاديمية الحياة هي الأقدر في تفتّق نهر الإبداع؟ وهل الأفضل لمن يرغب في أن يصير كاتباً ألّا يدرس في الجامعة؟ هذا الرأي يبدو هو الآخر متطرفاً فقد عرف كتّاب مثل أمبرتو إيكو وطه حسين كيف يشقون طريقاً إبداعية رغم الانغماس الأكاديمي.

ثمة أيضاً حالات أخرى لِكُتّاب بَرزوا في الأدب، على الرَّغم من قدومهم من تكوينات أكاديمية غير أدبية، مثل القاصّ المصري يوسف إدريس، الذي قدم إلى السرد من الطب، فيما أتى إبراهيم ناجي الشعر من التخصّص نفسه، أما الروائي عبد الرحمن منيف فقد جاء من دراسات النفط، واللائحة تطول.

عالمياً، لا يختلف الكاتب الأرجنتيني خ. ل. بورخيس كثيراً عما نعرفه عن الجاحظ، ودون تحصيل أكاديمي أصبح أحد أبرز علامات الأدب العالمي، والشيء نفسُه يصدق على الأرجنتيني الآخر روبرتو بولانيو الذي كثيراً ما صرَّح بأنه خرّيجُ أكاديمية القراءة، وأنه مدين في إبداعه لقرائه.

أما البرتغالي خوسيه ساراماغو، فإنه يُعتبَر بحق مديناً لأكاديمية الحياة والقراءة؛ فقد نشأ في أسرة متواضعة، ولم يشرع في الدراسة سوى في الثانية عشرة من عمره، ثم تعذَّر عليه إتمام تعليمه، ليشتغل صانع مفاتيح، كما تقلَّب في مهن أخرى، فعمل موظفاً في بعض المؤسّسات، ثم مستشهراً للتأمين، وكاتب مقالات عند بعض الصُّحف، وشرع ينشر روايته الأولى على حلقات، في الثانية والعشرين من عمره، لكنّه اضطرَّ إلى التوقف عن ذلك لعدم اكتراث النقد به، ولم يعد إلى مزاولة الكتابة حتى بلغ الثانية والخمسين سنة حين استأنف صلتَه بالأدب والكتابة مع عمله في إحدى دور النشر. وفي المحصلة، غدا من أشهر الكُتّاب في العالم خصوصاً بعد حصوله على جائزة نوبل للآداب.

لعلَّ المبدعَ زكريّا تامر هو الأقرب إلى ساراماغو في سيرته التي زاوج فيها بين الكدّ في العمل مع طلبِ المعرفة بشكل عصامي ومزاولة الكتابة. تؤكّد هذه الأمثلة أن الدراسات العلمية من طب وهندسة واقتصاد وسواها لا مفرّ للمشتغلين فيها من أنْ يتدرَّجوا في تحصيل معرفتهم أكاديميأً ليكونوا أطباء ومهندسين ومحاسبين، غير أن الأدب كان ولا يزال، شأنه شأن الفكر، حقلاً أريحيّاً مفتوحاً لمن يطرقون بابه قادمين إليه من مجالات شتى.


المساهمون