كانييه وِست والبيت الأبيض... تلفزيون الواقع الرئاسي

17 يوليو 2020
انتقد كانييه وِست أداء ترامب خلال أزمة كورونا (ريتش فيوري/Getty)
+ الخط -

"لا بد أن هناك ملاكاً يحميني، فالموت أخطأني، أنا غير قابل للعطب والكسر، أظننتم أنني من زجاج". الكلمات السابقة ترجمة بتصرف لكلمات أغنية "عبر السلك"، للرابر والمنتج والظاهرة الفنيّة الأميركي كانييه وِست التي كتبها حين كان في المستشفى ووجهه مقطّب ومليء بالأسلاك، بسبب حادث السير الذي تعرض له عام 2002، وأطلق إثره ألبومه الفردي الأوّل "كولاج دروب آوت" Collage drop out.

مرت ثمانية عشر عاماً على إطلاق وِست لألبومه الأول. قبلها كان منتجاً موسيقياً معروفاً، عمل مع أسماء كبيرة، مثل كلودا كريس وجانيت جاكسون وأليشيا كيز. لكن بالرغم من "عبقريته الموسيقيّة"، كما يقول البعض، لم يؤخذ على محمل الجدّ كمغني راب قبل ألبومه السابق، كونه لم يكن يمثل الصورة النمطيّة التقليدية عن مغنّي الراب المتورط مع العصابات والخطير ومحط أنظار الشرطة، إذ ركّز على الموسيقى نفسها، واستحضر أنواعاً مختلفة من الآلات والموسيقى الإلكترونيّة داخل ألبوماته، مغيراً أسلوب إنتاج الراب والهيب هوب.

لكن كل ما سبق لا يهمنا، إذ لا ننظر إلى وِست كموسيقيّ، بل كمرشح لرئاسة الولايات المتحدة الأميركيّة، يمكن أن يجعل من كيم كارداشيان السيدة الأولى، ليتحول إثر ذلك البيت الأبيض إلى مساحة لتصوير برنامج "كيبينغ آب وذ ذا كارداشيانز" Keeping up with the Kardashians، أو مكان قد يحرك نوبات ثنائية القطبية لديه، ما قد يؤدّي إلى دمار العالم، خصوصاً أنه صاحب أفكار شديدة الغرابة.

لا نحاول السخرية من نمط حياة وِست أو الاستخفاف بموهبته الموسيقيّة، لكن هذه ليست المرّة الأولى التي يثير فيها الجدل الهائل، إذ سبق له أن أعلن بوضوح أنه يدعم الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، بالرغم من أنه لم يصوّت مطلقاً طوال حياته، كما أنه زار ترامب في البيت الأبيض للنقاش في بعض الأمور، لكن ما لبث أن تراجع عن تصريحاته بسبب سياسات الأخير أثناء الاحتجاجات التي شهدتها أميركا بعد مقتل جورج فلويد.

السؤال الآن: هل نأخذ تصريحات وِست على محملّ الجدّ؟ ألم يسبق له أن اقتحم خشبة المسرح واختطف جائزة "أفضل فيديو كليب" من يد تايلور سويفت وأعلن أن بيونسيه تستحقها أكثر منها عام 2009؟ وألم يقل إن جورج بوش "لا يهتم بحياة الأميركيين السود" أثناء بث مباشر لجمع التبرعات لأجل ضحايا إعصار كاترينا عام 2005؟

 يرى وِست نفسه كمبعوث للبشريّة، عبقريّ صرف، ومُلهم موسيقي وفني وتجاري، بالرغم من أن أغلب مشاريعه التجارية باءت بالفشل، أو لم ينفذها، أو بقيت مجرد تصريحات إعلاميّة لا قيمة حقيقية لها، إذ أنشأ شركة "دوندا" السريّة الخاصة بالعباقرة عام 2012، وأسس خط الأزياء الخاص به Yeezy عام 2006 الذي ما زال صدى لبعض التصميمات التي أنجزها مع "نايكي" و"لوي فيتون"، بالرغم من افتتاح أول متجر خاص به عام 2020، كما أن أغلب آرائه مجرد تعليقات نابعة من جهل أو احتفاء ذاتي بعبقرتيه التي يجب على الجميع تقديرها، إذ طلب علناً من مؤسس "فيسبوك"، مارك زوكربيرغ، عام 2016 مبلغ مليار دولار كي يسدد ديونه.

مناقشة سيرة  وِست وإنجازاته الموسيقية ومغامراته التجاريّة لا تبدو مهمة في حال ترشحه فعلاً لرئاسة الولايات المتحدة، لكن الإشكالية تكمن في الشرط الديمقراطيّ ومجتمع الاستعراض الذي حوّل وظيفة الرئيس في الولايات المتحدة إلى ما يشبه تلفزيون الواقع، المكان نفسه الذي جاء منه ترامب. أي أن يكون الشخص محط الأخبار، سواء كان ذلك لصالحه أو ضده، يعني أن يكون مرئياً، وحاضراً في الفضاء العام، والأهم أن السخافة وعدم الاطلاع والتهور أصبحت خصائص "رئاسيّة" في أميركا، خصوصاً أن الاستعراض يمتلك قيمة مشابهة للعُرف، بمجرد أن يقوم أحد المشاهير بشيء ما، ويصبح محط جدل، يمكن لما قام به أن يكون عرفاً، ويمكن ممارسته في الحياة اليوميّة. فمزحة ترامب بأن يصبح رئيساً أصبحت حقيقة، ولم يكن تصديقها ممكناً حينها، هي التي تجعلنا نعيد النظر في كلام وِست الذي لم يقدم إلى الآن أوراق اعتماده إلى لجنة الانتخابات، لكنه أعلن رسمياً عدم تأييده لترامب لأنه لم يقم بأي شيء يذكر خلال أزمة كورونا.

الأهم أن وِست سيترشح كمستقل، وصرح بأن إدارته ستكون مشابهة لنظام الحكم في مدينة واكندا التي تظهر في فيلم "بلاك بانثر" الذي أنتجته "مارفل". لا يمكن الجزم حقيقة بمدى جدّية وِست، لا بسبب شخصيته، بل بسبب ترامب نفسه الذي قوبل بالسخرية بداية، ثم حقق ما يريد.

مع ذلك، المقارنة غير صحيحة، وراء ترامب فريق وبروباغندا وأموال، أما وراء كانييه وِست، فهناك فقط مؤسس شركة "تسلا"، إيلون ماسك الذي سيتسلم، حسب وِست، إدارة برنامج الفضاء في حال فوز الأخير. لكن المثير للاهتمام هو تحرر صورة الرئاسة الأميركيّة من ضرورة "الجديّة"، وتحولها إلى شكل من أشكال اللعب الساذج والمبتذل، ورهان على تصفيق الجمهور وتعليقاته وتويتاته، خصوصاً بعد فشل محاولة عزل دونالد ترامب.

المساهمون