كارلوس ساورا.. لم أُفصح بعد عن الماضي

07 سبتمبر 2014
CD068098-E141-4383-82F3-6E2F33DC2EC4
+ الخط -

عاش المخرج الإسباني كارلوس ساورا(1932) الحرب الأهلية الإسبانية في طفولته، وقضى سنواتها الثقيلة في الأراضي التي يسيطر عليها الجمهوريون. وبالتالي، ولدت سينماه تحت استبداد فرانكو، قبل أن يشهد الانتقال الديمقراطي في بلده بعد موت الدكتاتور، ويتحرّر من إرث القمع والكبت وشبح الحرب الأهلية. مخرجٌ ما زال حتى يومنا منتجاً وحاضراً في بلده والعالم.

وكاستعادة لإنتاج ساورا السينمائي، الذي يتجاوز الخمسين عاماً ويقارب الأربعين فيلماً، تقيم سينما "ميتروبوليس" في بيروت، بالتعاون مع السفارة الإسبانية ومعهد "سيرفانتس"، برنامجاً (من 4 إلى 10 أيلول/سبتمبر) تقدّم فيه مجموعة من أفلام هذا المبدع تغطّي مدة زمنية تمتد من الستينيات وحتى بداية الألفية الثالثة.
كان الافتتاح مع فيلم "الصيد" (1966) الذي يحكي قصة رجال يخرجون لصيد الأرانب في مزرعة أحدهم التي كانت، أثناء الحرب الأهلية، موقع مواجهة بين الجمهوريين والملكيين. وفي الليلة الثانية عُرض "ابنة الخالة أنجليكا" (1974) الذي يستعيد فيه بطل الفيلم، لويس، ماضيه لدى إقامته عند خالته، والدة أنجيليكا التي أحبّها أثناء الحرب الأهلية.

أما "إليزا، حياتي" (1977) الذي يصوّر لقاءً بين أب مريض وابنته، ولا يبتعد عن سياق استعادة الماضي، فعرض اليوم، ليتبعه غداً الأحد "صار عمر أمي مئة عام" (1979) الذي يجتمع فيه أفراد عائلة خلال عيد ميلاد الأم المئة، ما يسبب العديد من المشاكل.

إنتاج التسعينيات يحلّ بعد غد الإثنين مع فيلم "آه... كارميلا" (1990) الذي يروي قصة المغنيَيْن المتجوّلين بولينو وكارميلا اللذين يرغبان في دخول الأراضي التابعة للجمهوريين أثناء الحرب الأهلية، لكن جنود فرانكو سيعتقلونهما. ويُعرض الثلاثاء فيلم "غويا في بوردو" (1999)، الذي نشاهد فيه الرسام غويا مريضاً في منفاه في مدينة بوردو يستذكر أحداثاً سابقة من حياته. أما اليوم الأخير من المهرجان (الأربعاء) فرُصد لفيلم "فلامنكو، فلامنكو" (2010) الشهير الذي يمنحنا ساورا فيه لمحة خاطفة لتاريخ الفلامنكو وتقاليده، ويشكّل احتفاءً بالموسيقى والرقص.

تقول الكاتبة كاثرين آن بورتر: "الماضي لا يكون أبداً في المكان الذي تعتقد أنك تركته". قد تكون هذه العبارة مفتاحاً لفهم سينما ساورا، خصوصاً في سنوات إنتاجه التي قضاها تحت حكم الدكتاتورية. فالماضي يعود دائماً بصورة قوية ليؤكد لضحاياه بأنه لم يفارقهم أبداً. وقد يكون هذا الماضي شبح الحرب الأهلية، أو التاريخ الشخصي لقادة عسكريين يمثلون صور مصغّرة عن العسكري الأول في البلاد، فرانكو.

وفي هذا السياق، نشعر أيضاً بحضور الكاتب النرويجي هنريك إبسن ومسرحيته "الأشباح"، حيث الأبناء يكونون ضحايا آثام الماضي. حضورٌ شديد وعميق، نشعر به أكثر من غيره في الأفلام التي أنجزها ساورا في السبعينيات، كما في "نداء الغربان" الذي نلحظ فيه أيضاً أجواء فيلم "صرخات وهمسات" للمخرج السويدي إنغمار برغمان.

هذا التأثر بالآخرين لا يقلل من قيمة ساورا، بل هو ما يميّز سينماه. فمخيّلة المخرج هي مزيج من مخيلات وإبداعات أخرى. إذ لا يمكن إنكار حضور غويا، وخصوصاً إبداعه في سنواته الأخيرة، الذي نجده جلياً في سينما مواطنه، خاصةً في حلوله السردية القاسية. كما يحضر لويس بونويل أيضاً في أسلوبه السوريالي وسياقاته الشبيهة بالأحلام، وفي تكرّر الرموز الدينية واللقطات والتلميحات الفيتيشية الجنسية؛ والشاعر لوركا بثوريته وإسبانيته، وما تحويل "عرس الدم" إلى فيلم سينمائي إلا دليل على ذلك؛ بدون أن ننسى دور موسيقى ورقص الفلامنكو، الذي بلغ ذروته في ثلاثيته الأشهر "عرس الدم" و"كارمن" و"الحب المسحور".

هذا المزيج هو الذي أنتج مخيلة هذا الرجل الثمانيني، علماُ أن نشاطه الفوتوغرافي في بداية حياته المهنية، قبل انتقاله إلى دراسة السينما، أعطاه أيضاً مخيلة بصرية دقيقة تستطيع أن تكون مسرفة أو متقشفة، كما في فيلم "الصيد".

باختصار، ساورا مخرج لا يجد أي صعوبة في التعامل مع الكاميرا، وحلوله البصرية أثرت دروباً وفتحت آفاقاً كثيرة أمام الفن السابع، كما أن لعبه في قلب الأدوار وتغييرها، ومماهاة الماضي مع الحاضر، حوّلا المشاهد من مجرد متلقي إلى شخص يتفاعل مع الفيلم.

ليست الأفلام التي يقترحها برنامج "ميتروبوليس" أفضل إنتاجات المخرج، إذ تتفاوت قيمتها وأهميتها. يُستثنى من ذلك فيلم "الصيد"، ثالث أعمال ساورا، الذي أطلق شهرته العالمية وعالج فيه قضايا كثيرة ستتكرر لاحقاً في معظم أعماله.

دلالات

ذات صلة

الصورة
كيف غيّر القائمون على فيلم "باربي" قواعد التسويق بتكلفة 150 مليون؟

منوعات

قرّرت وزارة الثقافة الجزائرية سحب ترخيص عرض فيلم "باربي" من صالات السينما في البلاد، بحسب ما ذكرته صحيفة الشروق الجزائرية. 
الصورة
"باربي" و"كين"

منوعات

عندما استعانت مخرجة فيلم "باربي" المقبل غريتا غيرويغ، بمصممة الإنتاج سارة غرينوود، ومصممة الديكور كاتي سبنسر، لبث الحياة في عالم باربي، لم يتصورن أبداً حدوث نقص دولي في الطلاء الوردي.
الصورة

منوعات

كما كان متوقعاً فاز "إفريثينغ إفريوير أول آت وانس" بجائزة أوسكار أفضل فيلم، وباقي الجوائز الرئيسية في حفل توزيع الجوائز الأشهر في عالم السينما لعام 2023، الأحد.
الصورة
من كواليس تصوير "الحارة" (منذر رياحنة/ فيسبوك)

منوعات

انتقادات حقوقية واسعة طاولت النائب الأردني سليمان أبو يحيى، خلال الساعات الماضية، بعد أن طالب الحكومة، في جلسة لمجلس النواب، الاثنين، بسحب الجنسية من الممثل منذر رياحنة، بطل فيلم "الحارة"، ومقاضاته.
المساهمون